في أعماق السياسة، كما في لجّة النيل، تتدفق تيارات لا يراها إلا الملاح الخبير، تتشابك الخطوط وتتعقد المسارات، حتى لا يفرق المرء بين الموجة والريح، بين الغيم والماء. وعلى ضفاف هذا المشهد المترامي الأطراف، تقف الدبلوماسية المصرية شامخة كصخرة أزلية، يعلوها رجال صدقوا العهد، يحملون على عاتقهم تاريخًا ناصعًا، ومستقبلًا يضج بالتحديات. في زمن تميد فيه الأرض تحت أقدام العالم، حيث الحروب تشتعل دون إنذار، والعلاقات الدولية تتقلب كما تتقلب مواسم النهر العظيم، تتجلى وزارة الخارجية المصرية بقيادة وزيرها السفير بدر عبد العاطي، رافعة لواء مصر في ساحات التفاوض، ومدافعة عن حقوقها بكلمات من حديد، وسيفٍ من منطقٍ لا يلين. وعلى الجانب الآخر، يقف مجلس النواب المصري عبر لجنة العلاقات الخارجية، تحت قيادة النائب كريم درويش ونائبه طارق الخولي، يساندون، يراقبون، ويؤكدون أن القرار المصري ليس فرديًا، بل هو صوت أمة تتحدث بلغة المؤسسات، وتحمل إرثًا من الحكمة والمواقف الحاسمة. الدبلوماسية المصرية.. تاريخٌ يتجدد ليس غريبًا أن تقود مصر دفة الدبلوماسية العربية والإفريقية، وليس جديدًا أن تحظى بوزيرٍ يملك من الحنكة ما يجعله قادراً على مخاطبة العالم بلغة العقل والمصالح المشتركة. فمنذ توليه المنصب في يوليو 2024، أثبت بدر عبد العاطي أنه رجل المرحلة، يجمع بين الهدوء الصارم والحزم الرصين، بين دقة التحليل وذكاء الحركة، وبين إدراك التاريخ وصياغة المستقبل. لقد وقف في الأممالمتحدة، أمام أعين العالم، وألقى خطابه الواضح: "مصر لن تقبل المساس بحقوقها في مياه النيل، ولن تفرط في ذرة واحدة من أمنها القومي." كانت كلماته كالمطارق على صخور الدبلوماسية الرمادية، لا تهديدًا أجوف، بل رسالة واضحة: نحن أهل الحوار، ولكننا لسنا ضعفاء. لقد أدركت مصر مبكرًا أن "السياسة فن الممكن"، وأن الدبلوماسية لا تعني التنازل بل تعني الإصرار على الحقوق بذكاء وإقناع. ومن هذا المنطلق، تحرك الوزير في دوائر القوة الكبرى، من واشنطن إلى بروكسل، ومن موسكو إلى بكين، حاملًا ملف سد النهضة في يد، والقضية الفلسطينية في اليد الأخرى، دون أن يغفل عن أزمات الإقليم الممتدة من السودان إلى ليبيا وسوريا. في غزة، كانت مصر السد المنيع أمام أي محاولة لتهجير الفلسطينيين، رفضٌ قاطع، وموقف ثابت، ودبلوماسية لا تخشى قول الحق. كانت المفاوضات تدور في دهاليز العواصم، والمبعوثون يأتون ويذهبون، لكن صوت القاهرة ظل الأعلى، حتى بات العالم يدرك أن أي حل لا بد أن يمر عبر بوابتها. لا تهجير.. لا تغيير ديموغرافي.. لا عدوان مستمر، هذا هو المبدأ، وهذه هي مصر، تفرض احترامها بمنطقها العادل، لا برفع الصوت ولا بالمزايدات الفارغة. وفي السودان، حيث تاهت الرؤى بين الأطراف المتصارعة، كانت مصر وحدها القادرة على جمع الفرقاء دون تحيز، على دفعهم إلى طاولة المفاوضات دون ضغوط، وعلى احتضان الأشقاء الفارين من جحيم الحرب دون ضجيج. أما في ليبيا، فلم يكن هناك مجال للتهاون، فالوضع على حدودنا ليس شأنًا خارجيًا، بل هو جزء من أمننا المباشر. لذلك، ظل الوزير يحرك الدبلوماسية المصرية بحكمة، بين العواصم المؤثرة، بين القوى الكبرى والمبعوثين الأمميين، مؤكدًا أن ليبيا لن تستقر إلا بوحدة مؤسساتها وخروج المرتزقة من أراضيها. برلمانٌ يقف على ثغر الدبلوماسية وفي صرح مجلس النواب، هناك رجالٌ لا يقلون إخلاصًا عن جنود الحدود، وإن اختلفت ميادين القتال. لجنة العلاقات الخارجية، تحت قيادة النائب كريم درويش، ونائبه طارق الخولي، لم تكن لجنة تقارير واجتماعات بروتوكولية، بل كانت درعًا نيابيًا يساند السياسة الخارجية المصرية بحزم وإرادة. حين كان المشهد العالمي يشتعل، لم تلتزم اللجنة الصمت، بل رفعت صوتها حيث يجب، تدين الانتهاكات الإسرائيلية في غزة، وتستنكر التعنت الإثيوبي في سد النهضة، وتحذر من التدخلات الأجنبية في ليبيا والسودان. لم يكن الأمر مجرد بيانات سياسية، بل تحركات برلمانية محسوبة، ومواقف مؤثرة، واتصالات مباشرة مع برلمانات العالم، لشرح موقف مصر وتأكيد شرعية مطالبها. وحين سعى بعض المتربصين إلى استغلال قضايا المصريين في الخارج لتشويه صورة الدولة، كانت اللجنة حاضرة، تتحرك، تناقش، وتدعم الجهود الحكومية، حتى أصبحت جسرًا بين الدولة والمواطنين في المهجر، وسندًا لكل مصري بعيد عن وطنه. أما على صعيد الاتفاقيات الدولية، فكانت اللجنة المرصد الحارس، لا تمر اتفاقية دون تدقيق، لا يُوقّع بروتوكول دون مراجعة. وحين انضمت مصر إلى بنك التنمية الجديد التابع لتجمع بريكس، كانت اللجنة أول من راجع الاتفاق ودرس أبعاده، ثم أقره المجلس بوعي وإدراك لأهميته. كتيبة الدبلوماسية المصرية.. عندما تتكامل الأدوار مصر، عبر تاريخها، لم تكن يومًا دولة تبحث عن المواجهات، لكنها أيضًا لم تكن يومًا دولة تقبل المساس بحقوقها. واليوم، وهي تواجه تحديات دقيقة على مختلف الجبهات، تظهر "كتيبة الدبلوماسية المصرية" في أبهى صورها، حيث تتكامل الأدوار بين الخارجية والبرلمان، بين المفاوض والداعم، بين الوزير والمشرع. في مقدمة هذه الكتيبة، يقف بدر عبد العاطي، رجلٌ لم يتخل عن هدوئه لحظة، لكنه لم يساوم على ذرة حق، يعرف متى يبتسم ومتى يرفع صوته، ومتى يستخدم الدبلوماسية الصامتة، ومتى يكون الحسم واجبًا. على الجانب الآخر، هناك كريم درويش وطارق الخولي، رجال البرلمان، الذين أدركوا أن السياسة الخارجية ليست شأن الحكومة وحدها، بل هي ملفٌ وطني، يتطلب دعمًا تشريعيًا وإسنادًا نيابيًا، صوتًا في الداخل ليُسمع في الخارج. وفي النهاية، تبقى الدبلوماسية المصرية مدرسة عريقة، تراكمت فيها الخبرات عبر العقود، تشربت من نيلها الحكمة، ومن تاريخها الكبرياء، لا تتورط في صراعات بلا طائل، لكنها تعرف كيف تنتزع حقوقها في عالمٍ لا يحترم إلا الأقوياء. هذه هي مصر.. وهؤلاء هم أبناؤها الذين لا ينامون على ضيم، ولا يسكتون عن حق، ولا يقبلون بغير الريادة والمكانة التي تليق بها بين الأمم.