الصدفة البحتة قادتنى بالأمس لزيارة تمثال أديبنا العالمى نجيب محفوظ (المولود فى 11 ديسمبر عام 1911 فى حى الجمالية بالقاهرة)، التمثال تم وضعه فى ميدان سفنكس الشهير بمحافظة الجيزة منذ عام 2002. التمثال يقف وحيدا حزينا صامتا وكأنه يعانى ويبث شكوى صاحب نوبل من النسيان والإهمال، تحيط به الجسور والسيارات من كل جانب فى قلب الميدان الذى ينتهى إليه شارع جامعة الدول العربية قبل عبور النيل إلى منطقة الزمالك. الأتربة وآثار عوادم السيارات أحالت لون التمثال إلى اللون الرمادى الداكن بقاعدته الحجرية التى تغطيها الأتربة، وتعانى عدم الاهتمام وسط مساحة صغيرة من الحشائش البائسة بلونها الأخضر الهزيل البائس. حالة التمثال تبدو وكأن مسئولى النظافة فى حى العجوزة أو المهندسين التابع له ميدان سفنكس قد نسوا أو تناسوا التمثال بتنظيفه ولو بخرطوم مياه، لإزالة الأتربة فى ذكرى ميلاد الأديب العالمى نجيب محفوظ ال113 والتى مرت بالأمس واحتفى بها الكتاب ووسائل الإعلام بالحديث كالعادة السنوية عن الأديب العالمى وأعماله وجوانب حياته المختلفة. التمثال ثم تصميمه تكريما وتقديرا لأديبنا العالمى وصاحب الجوائز العالمية والعربية والمحلية منذ 22 عاما وقبل رحيل نجيب محفوظ بحوالى 4 سنوات تقريبا. وقد توفى فى 30 أغسطس 2006. ويحكى أن أحد الأدباء سأل الأديب العالمى الراحل نجيب محفوظ، عن تمثاله الموجود فى ميدان سفنكس بالمهندسين، وعن رأيه فيه إن كان قد رآه، فما كان من نجيب محفوظ إلا أن أطلق ضحكة مجلجلة تميز بها، وهو يقول لمن سأله ولمن حوله: "يبدو أن الفنان الذى قام بنحت تمثالى لم يقرأ لى من أعمالى غير رواية الشحاذ". حسه الفكاهى كان يعبر عن رأيه فى تمثاله الواقف فى ميدان سفنكس. قصة التمثال تعود لعام 2002، عندما قرر محافظ الجيزة وقتها المستشار محمود أبو الليل، إنشاء تمثال لنجيب محفوظ مصنوع من البرونز بارتفاع 3 أمتار يجسد "محفوظ" وهو يحمل جرائد يسير بها فى الشارع متكئا على عصاه. وفى البداية قررت اللجنة المشرفة وضع التمثال أمام بيت نجيب محفوظ على النيل ولكنها تراجعت عن الفكرة لإقامته فى ميدان "الكيت كات"، بالقرب من حى إمبابة على كورنيش النيل، إلا أن بعض الجماعات الدينية رفضت وضع التمثال بحجة أن الميدان يطل على مسجد وجمعية شرعية، مما أثار حالة من الجدل والاستهجان فى الأوساط الثقافية، وانتهى الأمر بوضع التمثال فى ميدان سفنكس بالمهندسين. الفنان التشكيلى الدكتور السيد عبده سليم الذى قام بتصميم التمثال بناء على رغبة الدولة بتكريم صاحب نوبل فى عيد ميلاده التسعين، قال لصحيفة الأهرام إنه تم تكليف لجنة مكونة من الأديب محمد سلماوى وابنتى نجيب محفوظ، أم كلثوم وفاطمة ومحافظ الجيزة المستشار محمود أبو الليل وعدد من المستشارين الفنيين بعد تكليفى بتصميم التمثال من البرونز يجسد "محفوظ " وهو يحمل جرائد يسير بها فى الشارع، متكئا على عصاه. وروى الفنان سليم أنه وضع تصورا أن يكون التمثال على ارتفاع مترين فقط من البرونز، إلا أن المحافظ أصر أن يكون التمثال على ارتفاع 9 أمتار بدعوى أنه يريد أن يرى التمثال كل من يسير أعلى الكوبرى أو أسفله بشارع جامعة الدول العربية، وبالفعل صمم المعمارى أكرم المجدوب هذه القاعدة، وهنا يتغلب القرار الحكومى على القرار الفنى، لأن المثال الذى صمم التمثال هو أكثر الناس دراية بمعرفة الارتفاع المطلوب، وهذا يخضع لنظريات الأبعاد، وهذا شيء معروف للدراسين لفنون النحت وغيرها. بالتالى فوضع التمثال على قاعدة مرتفعة أسهم فى تحجيمه واختلاف واختلال مسار الرؤية، بسبب إصرار المحافظ على القاعدة الطويلة للتمثال. أظن أن أديبنا العالمى ونحن نحتفل بمرور 113 عاما على ميلاده يستحق -على أقل تقدير- تمثالا نظيفا ولامعا وجاذبا لانتباه كل من يمر بميدان سفنكس وفوق كوبرى 6 أكتوبر. وأتمنى أن تتم الدعوة قبل ذكرى رحيله فى أغسطس المقبل أن يتم تصميم تمثال جديد يليق بقيمة صاحب جائزة نوبل.