أتذكر فى أحد المرات كنت فى زيارة لمطعم شهير فى ولاية إلينوى الأمريكية، وما أن جلست على الطاولة الفاخرة حتى استقبلنى الجرسون الأنيق بكياسة بالغة وترك لى قائمة الوجبات الشهية لأتصفحها، وجدت وجبة بدت لى مغرية وهى عبارة عن أرز بالجمبرى مع طبق سلطة كبير وكان سعر الوجبة الكاملة حوالى خمسة وأربعين دولارا. وجاء الجرسون مسرعا يسألنى عما إذا كان قد وقع اختيارى على وجبة ما.. فهممت أن أطلب تلك الوجبة الشهية ولكن دفعتنى غريزتى العلمية وارتفاع السعر أن أتروى قليلا.. طلبت من الجرسون أن يعطنى مزيدا من الوقت للتفكير وأخذت أفحص القائمة بدقة، فإذا بى أجد وجبة أخرى مماثلة عبارة عن جمبرى بالأرز أيضا، ولكن بدون سلطة وبسعر ثلاثين دولارا فقط، وبمزيد من الفحص وجدت أننى أستطيع أن أطلب السلطة منفردة بخمسة دولارات، وبذلك يكون الإجمالى خمسة وثلاثين دولارا فقط، وهو سعر أرخص من سعر الوجبة الأولى الكاملة.. طلبت الجرسون لاستجوابه عما إذا كانت حساباتى دقيقة فأكد لى بأدب جم أن حسابى صحيح تماما، وأننى سوف أحصل على نفس الوجبة تقريبا أن طلبتها مجزأة وبسعر أقل.. أثنى الجرسون كثيرا على ذكائى وقوة ملاحظتى موضحا أنى سأفقد بعض شرائح الخبز المقمر الذى يأتى عادة مع الوجبة الكاملة الغالية السعر وكان هذا بالطبع مقبولا لدى. شعرت بالانتصار والزهو وأنه ليس بمقدور الأمريكان أن يخدعونى فى أمور كهذه، وأن خبراتى الطويلة فى الفصال مع السيدة أم عبير بائعة الخضار فى سوق الغمراوى قد أكسبتنى مهارات تفاوض متميزة. تناولت الوجبة الشهية وتركت بقشيشا مشجعا للجرسون وانصرفت، أوقفت تاكسى ليأخذنى لمحل إقامتى.. كان السائق يستمع إلى مذياع السيارة واستأذننى بلطف فى أن يواصل الاستماع فسمحت له بترحاب، وياللمفارقة.. فقد كان السائق يستمع إلى برنامج فى الاقتصاد وكان الموضوع شيقا جدا وهو عن نظرية تسمى بنظرية "الفخ"، مفادها أنه إن أراد تاجر أن يبيعك سلعة ما فقد يقوم ذلك التاجر بعرض سلعة شبيهة ولكن بسعر أكبر، والهدف من ذلك هو دفع المستهلك إلى "فخ" المقارنة بين سعرين متباينين لنفس المنتج تقريبا على أمل أن يندفع المستهلك تلقائيا لاختيار السلعة الأرخص، فالتاجر هنا يقدم عن عمد سلعة "فخ" عالية الكلفة، لا ليبيعها ولكن ليروج للسلعة المماثلة الأقل كلفة، تبين لى على الفور أن هذا هو ما حدث لى تماما فى المطعم الشهير، فقد وقعت دون أن أشعر فى الفخ المستتر واخترت الوجبة الأقل كلفة المراد ترويجها.. تماما كما خطط صاحب المطعم عندما وضع فى القائمة الوجبة "الفخ" المماثلة ذات السعر مرتفع. لا أدرى لماذا تذكرت تلك الواقعة وأنا أرى ذلك الدفع المريب بمرشحين عدة للرئاسة لهم نفس الفكر والتوجه سواء كانوا إسلاميين أو فلول أو خلاف ذلك، فهل هذا الدفع المتعدد يتبع نظرية "الفخ"، حيث أن المرشح المرعب أو المتطرف أو المكروه قد ينظر إليه على أنه مرشح "عالى الكلفة" بمعنى أن انتخابه سيكون له نتائج وخيمة، وبالتالى تضيق دائرة الاختيار ويلتفت الناخبون تلقائيا إلى مرشح مماثل فى الفكر والتوجه ولكنه سيبدو بالمقارنة بالمرشح "الفخ" أقل كلفة وأكثر استساغه وقبولا، ماذا لو صح استنتاجى بأن أصحاب المطاعم السياسية يتبعون نظرية "الفخ" للإيقاع بالناخبين.. فهل سيكون من السهل أن نعرف من هم مرشحو الجمبرى بالأرز بدون سلطة؟