"ابن شهيد وأفتخر" عبارة تكررت كثيرا على لسان الأطفال من أبناء شهداء ثورة 25 يناير المجيدة الذين ذهبنا إلى منازلهم بعد أن خاصموا المدارس والحدائق حتى تعيد لهم المحاكم الروح التى سلبها منهم القناصة. فى شهر اليتيم لم ننس أن آلاف الشهداء تركوا أطفالهم أيتاما منهم من لا يستطيع العيش بعد فقدان أبيه أو أمه، ومنهم من يستوعب الموقف ويفتخر رغم حزنه. "ماما مخدنناش حقها.. ومش هنرتاح غير لما نجيب حقها من إللى حرمنا منها"، هكذا قالت عبير أشرف عبد العزيزالتى تبلغ من العمر 17 عاما بعد ما فقدت والدتها هى وأشقاءها أحمد 20 سنة وبلال 15 سنة وفرح 8 سنوات فى يوم جمعة الغضب. وقالت عبير إن أمنا الشهيدة مهيرة خليل زكى 40 عاما توفيت وهى فى مسكنها أمام قسم بولاق الدكرور، حيث كنت أنا وأخواتى مع أمى فى الطابق السفلى وعند سماع الأحداث توجهنا لنرى ما يحدث، وأطلق عليها رصاصة 9 ملى استقرت فى صدرها من فوق سطح القسم أمام أعيننا بعدما صرخت عندما رأت أحد الشباب يقتل أمامنا لكى ينقذه الناس. وتضيف عبير ذهبنا بها إلى المستشفى بولاق الدكرور فقالو لنا إن الرصاصة سببت لها انفجار فى الرحم وكسرت جزء من الضلع العاشر، وتهتك فى الكبد والكلية، وتوفية يوم 31 يناير 2011. وتوضح عبير نجلس دائما فى البيت ولا نخرج حتى أصبحت أواصل دراستى فى المنزل، وأنا وأخواتى نمر بظروف نفسية سيئة ولم نستعد فرحتنا إلا إذا تمت محاكمة من أطلق النار على أمنا. ويقول بلال 15 سنة ابن الشهيدة مهير: "إحنا مخدناش حق ماما لغاية دلوقتى، وأنا مش بروح المدرسة، لأن زمايلى بيضايقونى بالأسئلة الكثيرة ولما بفتكر الموضوع بعيط عشان بتصعب عليا نفسى". آدم ابن الشهيد أحمد بسيونى الذى يبلغ من العمر 6 سنوات يقول: "بابا الشهيد، وأنا عرفت لوحدى رغم إن كلهم كانوا بيخبوا عليا إن بابا مات". ويضيف آدم "أنا كنت عارف أن بابا شهيد ومش هشوفه تانى غير فى الأحلام وأنا عندى قصص كثيرة عن بابا بفتكرها وبقعد أرسمها لما بيوحشنى". باسم بسيونى، شقيق الشهيد أحمد أن آدم استوعب فكرة استشهاد والده بسهولة وكان قويا، خصوصا أنه يشبه والده الشهيد فى الكثير من الأشياء والتصرفات حتى موهبة الرسم كما أنه نسخة صغيرة من أحمد، أما سلمى ابنة الشهيد فهى صغيرة ولا تدرك ما يحدث حولها لأنها تبلغ من العمر أقل من 3سنوات وعندما توفى أحمد كانت صغيرة. وأضاف باسم أن أحمد قبل الثورة قام بعمل معرض وارتدى يوم المعرض زى عمال المصانع وفى يوم 25 يناير العام الماضى ذهب إلى التحرير بهذا الزى، وتعرض للضرب المبرح من قوات الأمن المركزى مما أدى إلى أصراره على النزول يوم 28 يناير، واشترى معه خوذة وكانت الكاميرا إمكانياتها عالية، وكان هناك كم هائل من القنابل المسيلة للدموع تقوم الشرطة بإلقائها على المتظاهرين، ورصاص مطاطى، وكانت عدسة الزووم فى الكاميرا توضح لأحمد ما يخططه رجال الشرطة، ثم يقوم هو بتحذير الشباب وسقط عشرات الشهداء وقبل أن تنسحب الشرطة من الميدان يسقط أحد المتظاهرين قتيلا بجوار أحمد برصاص قناصة الشرطة، وكشف أحمد مكان القناص ويجرى حتى يقوم بتصويره، حتى طاردته عربة أمن مركزى لتدهسه تماما. وجاء أحد الناس ببطاقة أحمد على المنزل، وقال لنا إن أحمد بالمستشفى واستشهد بطلق نارى وذهبنا ولم نجد جثة أحمد وبحثنا عنه فى كل المستشفيات إلى أن وجدنا جثته بعدها بأيام بمستشفى أم المصريين. أم الشهيد ولاء حسنى الذى كان يبلغ من العمر 33 عاما تقول: "إن ولاء كان يعيش معها هو وولداه وكانا مرتبطين بوالدهما الشهيد جدا، وكان أهم شىء عند ولاء أن يقوم بتربية مصطفى ومازن ويعلمهم أفضل تعليم". ويقول مصطفى الذى يبلغ من العمر 7 سنوات: "أنا مبروحش المدرسة، عشان كل ما بروح بعيط عشان رحت المستشفى وشفت بابا وهو متغرق فى دم وراسه فيها خرم كبير، عشان الشرطة ضربته بالنار فى راسه عشان هوا من الثوار". أم الشهيد لاتفارقها صورة ابنها ولاء الذى كان يعمل فى كافيتريا ولم يذهب إلى العمل يوم 28 يناير وخرج مع أصدقائه واستشهد برصاصة من القناصة بعين شمس وتختم كلامها قائلة: "عندما ذهبت إلى المستشفى كان مصطفى معى ولم أتخيل أن يكون القتلة بهذه البشاعة ومصطفى لم ينسَ منظر والده الشهيد حتى الآن".