لن أنسى ما حييت ذلك المشهد من فيلم "اضحك الصورة تطلع حلوة" حينما استجمعت القديرة سناء جميل كل معانى القهر الإنسانى وأودعتها صوتها حين قالت وهى تنظر إلى "هيلمان" الباشا الذى راحت ترجوه ليوافق على زواج حفيدتها بابنه: "احنا صغيرين أوى يا سيد!"، فلقد رددت هذه الجملة فى مواقف كثيرة مررت بها فى حياتى أذكر منها ما حدث منذ بضعة أعوام حين كنت أسكن بجوار أحد الفنادق الفخمة التى اعتاد الوزراء أن يزوجوا أبناءهم فى قاعاتها ورأيتهم يوما وهم يتخلصون من أشجار "العيش الكايزر" التى كانوا يزينون بها موائدهم بعد أحد الأفراح وبينما أمر بجوار صندوق القمامة، لمحت شابين رائعين يسبقاننى وضح لى من لهجة أحدهما أنه صعيدى يحمل كتب الجامعة وحين رأى تلك الأرغفة، هرول إلى الصندوق تاركا كتبه لصديقه قائلا فى لهجة لن أنساها ماحييت: "فرجت ياخيو، والله مادجت اللجمة من عشية، يا أصرف ع المدعوج العلام ياآكل يابوي" ومسح الأتربة عن الرغيف الأول، حينها التقت عينانا فتوقف خجلا لتسبق دموعى دموعه تنعى كرامتنا وعزتنا الأبية ووجدتنى أصرخ "إحنا صغيرين أوى يا سيد" ويومها فقط علمت أن هناك ثورة حتما ستأتى ولم أتعجب أبدا وهى تنادى عيش، حرية، عدالة اجتماعية!. وأذكر حينما رأيت تلك العجوز السمحة وهى تشترى "أرجل الفراخ" من البائع وتعاتبه أن رفع سعر الكيلو ل 75 قرشا بينما اعتادت أن تشتريه كل خميس مقابل 50 قرشا فقط بينما يعلم أنه ذاك اليوم الوحيد الذى تطعم فيه نوعا من اللحم، قتلتنى كلماتها وصرخت "إحنا صغيرين أوى يا سيد" وأذكر حين شاهدت لقاء على الجزيرة مع أحد الثوار فى أيام الثورة الأولى وهو شاب ثلاثينى صرخ والدموع تخنق صوته" أقول لمبارك: يرضى مين يبقى عندى قميص واحد أروح بيه الشغل كل يوم وعندى بنتين مرضى مش لاقى أعالجهم؟" حينها قلت "احنا صغيرين أوى ياسيد". وهبت الثورة، وحسبتنا لم نعد صغارا، حسبتنا نطاول السحاب كبرا ونضوجا ومع تسلسل الأحداث وتصارع الكبار، بدأت الصورة تتشوه وبدأت أشعر بأننا أبدا لم نملك هذا الوطن ولكن كان هناك دوما من يملكه ونحن نشاهد "هيلمانه" من بعيد! مصر التى تملأ أوردتنا لم نملك يوما صك ملكيتها ولكن ملكه من هم أكثر نفوذا وسطوة، حتى هؤلاء الذين يرسمون الآن صورة ممجوجة لتضحياتهم فى سبيل الوطن، إنما يمنون علينا طمعا فى ذات الصك. أقول لكل من يتصارع على صك مصر بكل صورهم وأشكالهم سواء مدعو الزهد أو المتطلعون المتأنقين بالماركات العالمية: نعم نعلم أننا أصغر من صراعاتكم، نعم نعلم أن كل ما يشغلنا هو رغيف العيش حتى ولو كان من صناديق قمامتكم ولكنكم أبدا لن تملكوها وحدكم، فهى مغروسة فى وجدان شعب لا يبيع أرضه ولو بالدم، فاحذروا غضبة الصغار يا سادة.