Bodies أو الجثث، هو اسم المسلسل الذى شاهدته مؤخرا على إحدى منصات التواصل الاجتماعى، والذى يحكى عن رجل ينتقل عبر الزمن بين أربعة أزمنة مختلفة على أمل البقاء حيا للأبد وتكوين إمبراطورية قوية لا تقهر، وبين الانتقال تحدث الجرائم وتقدم التضحيات، القصة صعبة وتبدو عصية على الحل، ولكن ما أن تقترب نهاية القصة تجدها أبسط مما قد يأتى بعقل طفل، ومعقدة أكثر مما يمكن أن ينتج عن أدهى عقول العالم، ببساطة الفرق يحدث بالإيمان، هل يملأ قلبك أم يتملك منك الشك، نجح بطل المسلسل إيمانا منه بفكرته وبقوة هذا الإيمان الذى استطاع من خلاله أن يروض تابعين أقوياء مؤمنين بقدر إيمانه، بينما انتهى من الوجود عندما كشفت لعبته فقرر احدهم أن يغرقه فى الشك تجاه حلمه، فتغيرت كافة الاحداث وتهاوت أحلامه امام عينه فانتهت إمبراطورتيه المأمولة. هكذا تتبدل الأحوال بين ليلة وضحاها، فالفارق كبير بين قوم آمنوا بأن الأرض لهم وأنهم باقون فيها ليوم الدين، وبين قوم يعلمون أنهم يسرقون الحلم وقلوبهم مشبعة بالخوف من الفناء والهلاك، نعم هذا ما يؤمنون به، يوما ما سنهلك ولن نكون هنا، لذلك يضربون بلا رحمة وبوحشية، فإذا كان المصير إلى زوال فلنحرق الأخضر واليابس، هذا ما تؤمن به دولة إسرائيل جيلا بعد جيل، "لعنة العقد الثامن" أو لعنة زوال إسرائيل، وهذا ما هدد به أبو عبيدة الناطق باسم كتائب القسام، وهذا ما حذر منه إيهود باراك رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق فى مقال له نشر العام الماضى، عبر فيه عن مخاوفه من لعنة العقد الثامن قبل حلول الذكرى ال80 لتأسيس دولة إسرائيل، والتى ذكرها التلمود وحذر منها ويعتقد فيها عدد كبير من الإسرائيليين، والتى تؤكد أنه فى كل مرة تقوم فيها دولة لإسرائيل فإنها حتما تنتهى بعد ثمانين عاما من إنشائها، وهو الأمر الذى حدث مرتين على مدار التاريخ لدولة إسرائيل.
هذا المعتقد يسيطر على عقول وقلوب دولة إسرائيل بأكملها وقد تمكن هذا المعتقد منهم عن طريق تاريخ "دولة إسرائيل" التى لم تستمر أكثر من 80 عاما على مدار التاريخ، فقد تأسست دولتهم ثلاثة مرات، الأولى فترة الملك داود أما الثانية فترة الحشمونائيم والتى كانت بين 142 حتى 63 قبل الميلاد وفى المرتين تفككت دولة إسرائيل خلال عقدها الثامن، أما المرة الثالثة هى عام 1948، ويتوقع عدد كبير منن الإسرائيليين بتفكك دولتهم وزوالها. فى المقال الذى كتبه باراك قال أن هذه اللعنة لم تصب دولة إسرائيل فحسب، بل اصابت أمريكا التى نشبت فيها الحرب الأهلية فى العقد الثامن من عمرها، وإيطاليا التى تحولت إلى دولة فاشية فى عقدها الثامن، وألمانيا التى تحولت إلى دولة نازية فى عقدها الثامن وكذلك الاتحاد السوفيتى والثورة الشيوعية التى انهارت فى العقد الثامن، وحذر باراك فى مقاله من الاستخفاف بأية تهديدات تواجه إسرائيل.
اللافت أن باراك حذر فى المقال من الانقسام الداخلى لإسرائيل مؤكدا أن هذا الانقسام هو ما سيقضى عليها، قائلا أن العقد الثامن بشّر فى الدولتين السابقتين بدأ بتفكك داخلى فى الدولتين، وهو ما تشير اليه الأحداث الجارية فى إسرائيل، فلم نرى فى تاريخ دولة إسرائيل مظاهرات مثلما تحدث اليوم ضد نتنياهو بسبب الأسرى اليهود الذين قبض عليهم يوم 7 أكتوبر الحالى، كما لم نرى هذا الغضب فى الشارع اليهودى من قبل.
لكن يبقى السؤال، هل يؤمن الإسرائيليون حقا بلعنة العقد الثامن، البعض يقول أن هذا الرعب هدفه الأساسى هو منع الإسرائيليين من أية محاولات خروج عن النظام والقضاء على المعارضة فى إسرائيل تماما، وتبرير جرائم الحكومة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، وهو الأمر الذى تحدث عنه عدد كبير من الكتاب والصحفيين فى إسرائيل حيث قال الكاتب الصحفى آرى شافيت، فى كتابه بعنوان "البيت الثالث" أن لعدو الأكبر لإسرائيل فى العقد الثامن سيكون مواطنيها انفسهم قائلا "يمكن مواجهة التحديات الأمنية"، لكن تفكك الهوية لا يمكن التغلب عليه، مشيرا إلى أن إسرائيل تشهد حالة تفكك داخلى وممزقة ومصابة وتتألم، وهناك محاولات من أجل إعادة تجميعها، محذرا أن هذه الفرصة الأخيرة لدولة إسرائيل، فإذا ما تحققت نبؤه "العقد الثامن" فى الدولة الثالثة لن تكون هناك دولة رابعة. كذلك يقول الكاتب الإسرائيلى روغل ألفر أن إسرائيل وقعت على شهادة زوالها، لعدة أسباب منها دخولها حرب متعددة الجبهات، تفكك داخلى، تفشى الفساد، الصراعات الداخلية بين التيارات المختلفة، والصراعات الثقافية فى المجتمع الإسرائيلى، مؤكدا أن الحرب المقبلة لإسرائيل مع الأعداء، سيتلقى السكان اليهود فى البلاد الأوامر بالانتحار مثلما حدث من قبل عام 1948 عندما انتصر الجيش المصرى واحتل بلدة "نيتسانيم" أصدر رئيس أركان الجيش الإسرائيلى وقتها أوامر للجنود والضباط اليهود بالقتال حتى الموت، كما قتل الضباط والجنود الذين قرروا الاستسلام.
وبخلاف هؤلاء هناك عشرات الكتاب والمفكرين وحتى قادات الجيش يعتقدون أن إسرائيل فشلت فى تحقيق الحلم الصهيونى، وتسير فى طريق فقدانه، وتلفظ أنفاسها الأخيرة، ولن يستطيع أحد وقف عملية التدمير الذاتى الداخلى الإسرائيلى، فمرض إسرائيل السرطانى قد بلغ مراحله الأخيرة ولا سبيل لعلاجه، وهى الأفكار التى عبروا عنها فى العديد من المقالات والكتب.