جاءها صوته مرتعشا ينبض بدقة واحدة «يا أمى مازلت حيا» انتعشت نبضات جسدها المعذب بالسهر انتظارا لقدومه، استندت إلى كرسى بجوار سريرها الذى تمددت خلاياها عليه طوال شهور عديدة منذ يوم الثامن والعشرين من يناير 2011 وأخيرا قامت منتصبة الظهر وكأن كلماته المعدودة ألقت فى روحها الحياة. كيلو لحمة وضعته بأكمله فى إناء على نار مشتعلة واشتعل فى قلبها شوق الدنيا كله.. هتفت من جوفها الفارغ بكل قوتها «محمد جاى» جهزت من الطعام كل ما يعشقه محمد.. وانتظرت!! ساعة الحائط معلقة كقلبها المعلق بصوت الباب تغفو عيناها لحظة فتسمعه يهمس فى أذنيها بحنية «يا أمى» كلمه السر التى أكدت لها أن محمد مازال على قيد الحياة ولم يمت.. لكنه مفقود كمئات المفقودين من شباب مصر داخل حضن الوطن.. من مات فقد استراح.. وهدأ أهله برؤية جسده. لكن من فقد، من أين يأتى ذووه براحه البال فلا هو حى تتنفس رئتاه هواء شارعه، ولا هو كتبت لروحه نهاية مقدرة على كل إنسان. فى وطن عمت فيه الفوضى وضاع فيه الأمان أين محمد ومينا وكريستين وفاطمة؟.. أم محمد لا تدرى لمن تحمل شكواها ومن يعطيها ردا واضحا متى يعود محمد؟ هل مازال على قيد الحياة؟ من المسؤول عن ضياعه وهو لم يتعد حدود الوطن؟ منذ تنحى مبارك عن حكم مصر وأمسك المجلس العسكرى مقاليد السلطة كحامى حمى الوطن اعتقدت أم محمد أنها ستجد من ينصفها.. من يجيب لهفتها وحيرتها، لكنها أبدا لم تجد معينا. طافت بين السجون، لم تترك خيطا يحملها إليه إلا وتعقبته تشم رائحته من بعيد، يناديها همسة كل يوم فى المنام، تصبرها كلماته الرقيقه «يا أمى لا تحزنى». مئات البيوت المصرية تحكى قصصا لمفقودين ذنبهم الوحيد أنهم خرجوا فى أيام الثورة الأولى يطالبون «عيش، حرية، عدالة اجتماعية» تاريخهم السياسى لا يتعدى حماسة الشباب فى ميدان التحرير. بعض المفقودين كانت لهم تصنيفات سياسية لكنهم أبدا لم يكونوا مخربين.. لكل فرد فى مجلس ال18 ماذا تفعل لو فقدت ابنك حيا؟ ملف المفقودين واجب وطنى ينبغى أن نفتحه حتى يعود كل شباب ثورتنا إلى حضن أمهاتهم.. فهل من مجيب؟