غرفة عمليات حزب الوعي تتابع سير العملية الانتخابية    "التخطيط" تستقبل بعثتين من المفوضية الأوروبية لإجراء مباحثات موسعة حول الإصلاحات الهيكلية    إيران: نرغب في اتفاق نووي سلمي مع أمريكا دون التهاون في الأمن القومي    حماس: ذكرى اغتيال ياسر عرفات تذكرنا بواجب الوحدة ومواصلة درب الشهداء    بايرن ميونخ متفائل بشأن تجديد عقد أوباميكانو رغم اهتمام ريال مدريد    طولان يستدعي نبيل والدبيس وحسام حسن لمنتخب مصر المشارك في كأس العرب    سحب 1199 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    ضبط 23 شركة سياحة و3 مكاتب لاتهامها بالنصب على المواطنين    حالة الطقس في السعودية اليوم الثلاثاء    انتخابات النواب 2025.. رئيس مركز ومدينة البدرشين يساعد مسنًا للإدلاء بصوته    بحضور نجوم الأغنية الشعبية.. تشييع جثمان المطرب إسماعيل الليثي من إمبابة    إدارة التراث الحضاري بالشرقية تنظم رحلة تعليمية إلى متحف تل بسطا    تحرير 110 مخالفات للمحال غير الملتزمة بقرار الغلق لترشيد الكهرباء    بعد تعديلات الكاف.. تعرف على مواعيد مباريات المصري في الكونفدرالية    «العمل»: نحن شركاء أساسيين بجهود تحقيق العدالة في التنمية المستدامة    إقبال متزايد في اليوم الثاني لانتخابات النواب بأسوان    الشرع يقدم "دمشق" لإسرائيل تحت ستار مفاوضات أمنية واقتصادية.. وبرلمانيون يحذرون من مساس السيادة الوطنية    محافظ قنا وفريق البنك الدولى يتفقدون أماكن الحرف اليدوية    اليوم.. استئناف متهم بالانضمام لجماعة إرهابية في الجيزة    مشتريات أجنبية تقود صعود مؤشرات البورصة بمنتصف تعاملات جلسة الثلاثاء    الزمالك يُهدد اتحاد الكرة بسبب أحمد سيد زيزو    البداية بالموسيقار عمر خيرت.. انطلاق مهرجان حديقة تلال الفسطاط الشتوي الجمعة المقبلة    القومي لثقافة الطفل يكشف البوستر الرسمي لملتقى الأراجوز والعرائس التقليدية    الفنان تامر عبد المنعم يدلى بصوته فى انتخابات مجلس النواب 2025.. صور    بعد قرأته للقرأن في المتحف الكبير.. رواد السوشيال ل أحمد السمالوسي: لابد من إحالة أوراقه للمفتي    المتحف المصري الكبير يتخطى حاجز ال100 ألف زيارة خلال أسبوع من افتتاحه (صور)    تحديد ملعب مباراة الجيش الملكي والأهلي في دوري أبطال أفريقيا    «الرعاية الصحية»: 31 مليون فحص بمعامل المرحلة الأولى لمنظومة التأمين الشامل    حسام البدري يفوز بجائزة افضل مدرب في ليبيا بعد نجاحاته الكبيرة مع أهلي طرابلس    شكوك بشأن نجاح مبادرات وقف الحرب وسط تصاعد القتال في السودان    وزير الري: أي تعديات على مجرى نهر النيل تؤثر سلبًا على قدرته في إمرار التصرفات المائية    وزير الصحة: مصر تمتلك منظومة متكاملة لتسجيل ومراقبة جودة الدواء واللقاحات    الصحة: الخط الساخن 105 يستقبل 5064 مكالمة خلال أكتوبر 2025 بنسبة استجابة 100%    وفد حكومي مصري يزور بكين لتبادل الخبرات في مجال التنمية الاقتصادية    فاينانشيال تايمز: الاتحاد الأوروبى يعتزم إنشاء وحدة استخباراتية جديدة برئاسة فون دير لاين    وزيرا الأوقاف والتعليم العالي يشاركان في ندوة جامعة حلوان حول مبادرة "صحح مفاهيمك"    ارتفاع حصيلة ضحايا الإعصار فونج وونج بالفلبين إلى 18 قتيلا    إصابة 7 أشخاص فى حادث مرورى مروع بطريق أجا – المنصورة    ماذا قدم ماكسيم لوبيز لاعب نادي باريس بعد عرض نفسه على الجزائر    "طلاب ومعلمون وقادة" في مسيرة "تعليم الإسكندرية" لحث المواطنين على المشاركة في انتخابات النواب 2025    بسبب أحد المرشحين.. إيقاف لجنة فرعية في أبو النمرس لدقائق لتنظيم الناخبين    معلومات الوزراء: تحقيق هدف صافى الانبعاثات الصفرية يتطلب استثمارًا سنويًا 3.5 تريليون دولار    بينهم أجانب.. مصرع وإصابة 38 شخصا في حادث تصادم بطريق رأس غارب    انتخابات النواب 2025، توافد المواطنين للإدلاء بأصواتهم بمدرسة الشهيد جمال حسين بالمنيب    أسعار الأسماك بسوق العبور اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025    هدوء نسبي في الساعات الأولى من اليوم الثاني لانتخابات مجلس النواب 2025    ضعف حاسة الشم علامة تحذيرية في سن الشيخوخة    حظك اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر.. وتوقعات الأبراج    بعد إصابة 39 شخصًا.. النيابة تندب خبراء مرور لفحص حادث تصادم أتوبيس سياحي وتريلا بالبحر الأحمر    مجلس الشيوخ الأمريكي يقر تشريعًا لإنهاء أطول إغلاق حكومي في تاريخ البلاد (تفاصيل)    في ثاني أيام انتخابات مجلس نواب 2025.. تعرف على أسعار الذهب اليوم الثلاثاء    «في مبالغة».. عضو مجلس الأهلي يرد على انتقاد زيزو بسبب تصرفه مع هشام نصر    رد غامض، حسين الشحات يثير التساؤلات حول مصيره مع الأهلي    هل يظل مؤخر الصداق حقًا للمرأة بعد سنوات طويلة؟.. أمينة الفتوى تجيب    دعاء مؤثر من أسامة قابيل لإسماعيل الليثي وابنه من جوار قبر النبي    انطلاق اختبارات مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن بكفر الشيخ    ما حكم المشاركة في الانتخابات؟.. أمين الفتوى يجيب    د.حماد عبدالله يكتب: " الأصدقاء " نعمة الله !!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زلزال المغرب ووقاحة الإخوان.. «بيان المعاصى» من فساد البنا إلى غباء بنكيران
نشر في اليوم السابع يوم 02 - 10 - 2023

التجارة بالدين فعل مُنحطّ، ويزداد انحطاطًا إن اقترن بالوحشية وانعدام الإنسانية. ليس أسوأ من سماسرة العقائد لابتزاز البشر أو إرهابهم؛ إلّا من يرقصون على جُثث الناس فى المصائب والملمَّات، وإن اجتمع الأمران فى فصيلٍ يُصبح عنوانًا صريحًا على الانتهازية والحيوانية والوقاحة فى أسوأ صورها. كان حسن البنا يُضمر أهدافًا سياسية واقتصادية وراء لافتة الإخوان، وظلّ ورثته على العهد عقودًا؛ حتى أُطيح بهم فى مصر وغيرها من حواضر المنطقة، لكن بشاعة الجماعة ما تزال حاضرة. آخر حلقات السفه والسفالة وفساد المنطق والأخلاق جاءت من جناحهم ناحية الغرب، عبر بيانٍ ردىء وشديد الوضاعة أصدره حزب العدالة والتنمية «إخوان المغرب»، مُفتئتًا على الدين والعلم والطبيعة؛ بادّعاء أن «زلزال الحوز» وخساراته المُوجعة من نتاج الأخطاء والمعاصى، كأنه يُدين مجتمعًا كاملاً، ويشمت فى مُصاب الضحايا كيدًا للسلطة وخصوم السياسة، ويستعير تخرُّصاتٍ ماضويّة فُرِضت على العقل الإسلامى قهرًا، وغايته تمرير أهداف مصلحيّة يعجز عن تحقيقها بالشعبيّة والتنافس. لا يُشير الموقف إلى سقطةٍ عابرة؛ إنّما يفضحُ ذهنيّةً مُشبعة بالتطهُّر والتعالى، وموهومةً باحتكار الفضيلة، وعاجزةً عن إخفاء أنيابها ومخالبها؛ مهما انتحلت مظهرًا حداثيًّا وزيَّفت خطابات خداعيّة مُنمّقة.

قالت أمانة الحزب، بقيادة عبد الإله بنكيران، ما معناه أن «الزلزال بسبب الذنوب والمعاصى»، لا فى مُستواها الفردى فقط؛ إنّما بالمعنى العام والسياسى وفى الانتخابات والمسؤوليات والتدبير العمومى. وعندما انقلبت الدنيا وتفجَّر الغضب من وضاعة البيان ورسائله، خرج مُتحدّثًا فى مقطعٍ مُصوَّر على «فيس بوك» للتوضيح؛ فعمَّق الجُرم وزاد الطين بلَّة، إذ قال إنه مسؤول عن الفقرة الجدليّة ومُتمسِّك بأفكاره وقناعاته، ومَن انتخبوه يعلمون ذلك وعليهم أن يتحمَّلوه لأنه لن يتغيَّر، وإنه كان يقصد الجمع بين السلطة والمال ودعوات إباحة العلاقات الجنسية والخيانة الزوجية، ولم يكن يقصد بحديث المعاصى من ماتوا فى الزلزال؛ إنما يتحدَّث عن المغاربة عمومًا. المُصيبة أنه طعن الشعب بكامله علنيًّا فى أخلاقه، وشكَّك ضمنيًّا فى العدل الإلهى، وانحرف بالدين من روحانيته إلى تقديم تفسيرات مُضلِّلة عن البيئة والكوارث.

لا يختلف ذلك عن شعارات الإسلاميِّين الرثَّة منذ الثمانينيات، وكانت كلّها تدور فى نطاق وَصْم السلطة وإدانة المجتمع، ومُحاولة اصطناع أفضليّة لجماعات الرجعية، من زاوية أنها تُمثّل الدين وجوهره الصافى، وأن الأزمات نتاج البُعد عن الصيغة التى يُقدِّمونها من الإسلام، حتى وصلت الغباوة والتلفيق إلى تشويه جُدران مصر كاملةً بمُلصقات «سينتهى الغلاء عندما تتحجَّب النساء»؛ لكنهم بعدما أنجزوا موجةً كاسحة من تلويث الهويّة وفَرض التشدُّد، لم تتحسَّن الأحوال أو تتحقَّق جنّتهم الموعودة، بل إنهم عندما حكموا بأنفسهم ابتذلوا الدين والوطن والأخلاق، وقدَّموا أشدَّ صُور السياسة والإدارة والاجتماع خفّةً ووضاعة، وفتحوا على البلد بالوعةَ عفنٍ وفتنة وإرهاب. بيان إخوان المغرب لا يختلف عن سفالة إخوان مصر، البعرةُ تدلّ على البعير، والأُصوليّة المُتطرّفة كلُّها تشرب من مُستنقعٍ واحد. لا فرق بين أن يُهدِر «بديع والشاطر» دماء المصريين، ويرقص صبيانهم ومُرتزقتهم على دماء شهداء الإرهاب، وأن يتسافل «بنكيران» وعصابته على أهل المغرب، ويُهينون أرواح ضحايا الزلزال ويخرقون قلوب ذويهم بخنجرٍ صدئ.. لا يشعر رِعاع الجماعة فى أىّ بلدٍ أنهم جزءٌ منه، أو يُؤلمهم ما يؤلمه، ولا يتورّعون عن الحفر فى جروحه والرقص فى مآتمه.

تجربة الإخوان يفضحها الضوء؛ ليس لأنهم يجيدون العمل فى الخفاء، ولكن لأن أفكارهم لا تصلح للتداول بين الناس. هى جماعةٌ انغلاقيّة بشدَّة، فى الأيديولوجيا والخطاب، وأهم من ذلك فى حلقات صعودها وانطفائها. شارك المصريّون منهم فى ثمانى انتخابات برلمانية، مُتدرِّجين فى الحضور وعدد المقاعد، وعندما سيطروا على السُّلطة انكشفوا واحترقت أوراقهم، وكذلك إخوان تونس: من الصفر إلى القمَّة ثم الصفر مُجدّدًا، وإخوان السودان أصبحوا مطاريد البيئة السياسية بعد ثلاثة عقود فى الحُكم. حزب «العدالة والتنمية» المغربى شارك فى ستِّ انتخابات، أقلّ حظوظه كانت فى الأولى 1997 والأخيرة 2021، وبينهما عشر سنوات فى الحكومة بعد انتخاباتٍ مُبكّرة وتعديل للدستور فى 2011، ولم يُغادرها إلا منذ سنتين تقريبًا. تقارير البنك الدولى تُحذّر منذ 2009 من أن المغرب من أكثر البلدان عُرضة لمخاطر الجيولوجيا والمناخ، وأهمها الفيضانات والزلازل والجفاف والتصحُّر، وخسائرها السنوية بسببها 575 مليون دولار؛ لكن حكومة الإخوان لم تنتبه لذلك أو تشتغل عليه، ولم تفعل شيئا لأهل الحوز ومراكش وتارودانت، وكان «بنكيران» نفسه فى مقعدها الأول خمس سنوات، لكنه يتحدَّث اليوم عن الفساد والقصور ويلغ فى دماء الضحايا، بدلاً من الاعتذار أو الصمت فى حضرة كارثة إنسانية تتجاوز كلَّ الأهداف الضيقة والخصومات السياسية النفعيّة.

مقصود البيان واضح. إنّ غاية التلاسن والتشنيع ووَصم المجتمع، القصاص من انتخابات 2021 التى أطاحت الإخوان من السُّلطة، ومنحتهم المركز الثامن فى البرلمان ب13 مقعدًا فقط من أصل 125 حازوا بها المركز الأول فى 2016. مرض الأغراض السياسية أعمى عيون «العدالة والتنمية» عن اللياقة الإنسانية وحقائق الأرض. الناخبون عاقبوهم على الفشل وسوء الإدارة، لا على إيمانهم المزعوم، و«رسالة المعاصى» الفجَّة بعد أسبوعين من الزلزال لن تُبرِّر إخفاق عشر سنوات، كما أنها تستعدى الجمهور فى لحظةِ حُزنٍ يتوحَّد عليها الجميع، وأفرزت حالةً تضامنية عالية بين الدولة والشارع، بل إنّ دولاً عديدة فى الجوار وعلى البُعد تداعت للنجدة وكفكفة الدموع، بينما لفَّ الإخوان خصورَهم بقماشِ الشماتة، وانهمكوا فى الرقص. كان «بنكيران» وقحًا عندما نزل عن واجب المواساة؛ ليقول للمنكوبين إن شهداءهم عُصاة ومذنبون، ثم كان شديد العَتَه والتبجُّح وهو يتحوَّل إلى التلطيف، بالقول إنهم ماتوا على مذبح الذنوب العمومية، كأن له ولايةَ التقويض والاستثناء على قول الله «ولا تزر وازرة وزر أخرى». الحقّ أن أصاغر الإخوان أهانوا السماء قبل أن يجرحوا شعور المغاربة، وأهانوا جموع المسلمين فى مُعتقدهم وإيمانهم بالنص المُقدَّس وعدل الله المُطلق.

الحياة تنتظم وفق قانونٍ واضح، لا يُحابى المُتكاسلين مهما تشدَّدوا فى الطاعات، ولا يُعادى المجتهدين وإن جحدوا أو كفروا. وفق اعتقاد «بنكيران» الفاسد، فالأَوْلى بغضب الطبيعة من لا يُؤمنون أصلاً، وليس فقراء «الحوز» ومساجدهم. هذا التصوُّر الساذج كان مُنطلَق الإخوان لتفسير استفتاء تعديل الدستور فى مصر 2011 باعتباره تصويتًا للدين، وفوزهم بالبرلمان والرئاسة كأنه مُكافأة على الإيمان؛ لكنهم انقلبوا على أنفسهم عندما ثار المصريون وأطاحوهم من الحُكم، فلم يعتبروا ذلك عقابًا إلهيًّا أو قصاصًا مُقدّسًا من ذنوبهم ومعاصيهم. إخوان المغرب أيضًا اعتبروا فوزهم فى 2016 «شيكًا مدفوعًا» عن الطهرانيّة وفضائل الأعمال؛ ثمّ تجاهلوا كل أخطائهم، وفسَّروا الهزيمة بالفساد والتواطؤ والمُؤامرات. تلك أفدح مُشكلات خلط الدين بالسياسة؛ أنَّ فريقًا من أشدِّ الناس خسَّةً وانتهازية يعتقدون حيازتهم بطاقةَ عُبورٍ احتكاريّةً ودائمةَ الصلاحية.

فى صيف 2016 تفجَّرت فضيحةٌ مُدوّية بين أروقة إخوان المغرب. ضُبِط عمر بن حمّاد وفاطمة النجار فى وضعٍ مُخلٍّ داخل سيارة على شاطئ المنصورية، وهما نائبا رئيس حركة التوحيد والإصلاح «الذراع الدعوية لحزب العدالة والتنمية». ادَّعيا أنهما مُتزوِّجان رسميًّا، وعندما اشتدّت تساؤلات الأمن قالا إنه «زواجٌ عُرفى»، وكانت «فاطمة» أرملةً تُوفّى زوجها قبل أقل من سنة. وجرى لاحقًا تزييف عقدٍ رفضته المحكمة وقضت بالحبس شهرين مع إيقاف التنفيذ وغرامة 500 درهم. بعد أقل من سنتين كان الحزب على موعدٍ مع سقطةٍ أفدح لواحدة من كوادره؛ إذ تقدَّمت آمال الهوارى ببلاغ يتَّهم الصحفى توفيق بوعشرين باغتصابها، وعندما أبرزت جهات التحقيق مقطع فيديو يُثبت أنها كانت علاقةً رضائيّة، تراجعت عن الاتّهام وقالت إن «الشيطان الرجيم» سبب انزلاقها إلى الخيانة الزوجية، وحاولت استمالة بعض الصحفيِّين ومُنظَّمات المجتمع المدنى لدعمها. لم يعتبر «بنكيران»، ومن بعده سعد الدين العثمانى، أن السقوط المُدوّى فى الانتخابات عقابٌ على المعاصى والتفسُّخ الأخلاقى، والعلاقات غير المشروعة بين المُتوضّئين الذين يُغالون فى مظهر التديُّن وينقطعون عن جوهره، وكان الاتساق مع النفس يُوجِب أن يتقبَّلوا الابتلاء بذنبوهم، بدلاً عن مُواصلة التهرُّب منها، ومن الفشل وانعدام الكفاءة، بإنكارِ ما فات، ثمَّ إدانة أبرياء طمرتهم كارثةٌ طبيعيَّة لا علاقة لها بالمعصية أو الطاعات.

ميراث الجماعة لا يخلو من سوابق شبيهة. كانت قد تفجَّرت فضيحةٌ عن زيارات عبد الحكيم عابدين «صِهر البنا» للأخوات فى منازلهن ضمن برنامج الأُسَر، وخضع للتحقيق وأُدِين داخليًّا؛ لكنّ المُرشد الأوَّل أغلق الملف، وتستَّر عليه وهدَّد المُتشدِّدين فى مُحاسبته، واستمرت الفضائح والتشوُّهات، وآخرها إدانة حفيد البنا فى وقائع اغتصاب عديدة بأوروبا. وذهبت طوابير من الإخوان فى كلِّ حقبةٍ لاعتبار الانتكاسات نصيبَ المُؤمنين من الابتلاء، والمكاسب هدايا سماويّة، بينما نجاحات الخصوم من باب الإمهال والمدد للظالمين، وإخفاقاتهم عقاب وأخذ عزيزٍ مُقتدر. لو أُدير الأمرُ فى حيِّز السياسة فلا تفسير إلا أنّ التصويت للإخوان، هنا أو فى المغرب، كان تعبيرًا عن قبولٍ مُؤقَّتٍ ومرهون ببرامج والتزامات، وأن الخروج عليهم كان رفضًا شعبيًّا نابعًا من اعتباراتٍ اجتماعية ووطنية لا دخل للدّين فيها، وكما أن انحطاط الجماعة وعمالتها اليوم حصادُ مواقفها واختياراتها، فإنّ قتلى الزلزال ضحايا كارثة طبيعية. غاية ما تُتيحه العقيدة فى الحالين أن تُثبِّت قُلوب المكلومين، وأن تردع انحطاط المُنحطِّين، لكنها لا تملك تفسيرًا ولا تمنحُ أنواطَ شرفٍ أو شهادات وَصمٍ وإدانة.

يعتبر الإخوان أن الوصول للسلطة تذكرةٌ وحيدةُ الاتجاه «ذهاب دون عودة». عندما ابتلعوا البرلمان والرئاسة فى مصر، قال بعض قادتهم إنهم جاءوا ليحكموا خمسمائة سنة؛ لذا صدمهم الرفض الشعبى السريع والمُباغت، ولم يستوعبوا أن الناس لم يُوقِّعوا لهم «عُقود إذعانٍ» أو شيكات على بياض. فى المغرب تخيَّل «بنكيران» وعصابته أنهم صعدوا وأزاحوا السلالم خلفهم، كما قال على بلحاج بعد فوز جبهة الإنقاذ فى الجزائر 1991: «جئنا بالديمقراطية لكى نقول لها باى باى». نشوةُ تشكيل الحكومة فى أجواء الربيع العربى، ثم تأكيد الحضور بنحو 32% من مجلس النواب، أبعدتهم عن تصديق نكسة 2021 وفقدان 90% من مقاعدهم. ما حدث أن «العدالة والتنمية» لم يُفق بعدُ من صدمةِ الانطفاء والذبول، كما لا يملك رؤيةً ولا برنامجًا ناضجًا، وليس فى مقدوره اجتراح بدائل مُقنعة للشارع؛ والحلّ أن يعود للمشهد من أيَّة ثغرةٍ مُمكنة، ولو كان بالوقاحة وإثارة الجدل ونبش قبور الأبرياء. غايةُ البيان أن يضع الحزبَ مُجدّدًا فى بقعة الضوء، وهو بذلك يعتمد واحدًا من أردأ مبادئ التسويق، وفيه يُنظَر للدعايةِ كغايةٍ بغضّ النظر عن كونها سيئةً أو جيّدة. ربّما أحرز ضِباع الإخوان قدرًا من أهدافهم، وقد تردَّد اسمُهم فى الأخبار والتعليقات وتفاعلات مواقع التواصل، بأضعاف وزنهم البرلمانى الضئيل وحضورهم الشعبى الباهت؛ لكنهم خاصموا الوجدان الشعبى، وصنعوا شرخًا عميقًا مع الشارع. ليس الأمر أنهم انتهكوا عصمةَ الموت وابتذلوا جلالَ الحُزن العام، ولكن أنّهم صرَّحوا بمكنونِ صُدورهم، وقالوا على وجهٍ لا يحتمل التأويل إنهم يرون ناخبيهم مُذنبين وعُصاةً ويستحقّون الغضب الإلهى، وقد لا يكون منطقيًّا أن يطلبوا أصوات هؤلاء الناخبين مُستقبلاً، وإن طلبوها فقد لا يتحصَّلون عليها. صحيحٌ أن الشعوب قد تنسى وتغفر أحيانًا؛ لكن ربما يصعب النسيان فى مسائل الإنسانية والانسلاخ عن المجتمع؛ لمحاكمته وإدانته وابتذال آلامه، بدلاً من مُواساته وتطييب خاطره والاصطفاف معه فى وقت المحنة.

كان أداء السلطات المغربية على قدرِ الحَدث، وعوَّض التضامنُ الشعبى ما عجزت عنه المُؤسَّسات، وأقرَّت المملكة برنامجًا ضخمًا للإعمار ومُعالجة آثار الكارثة وتطوير أكواد البناء. مضى الشُّهداء إلى ربِّهم، وستتكفَّل الأيام بتضميد الجراح وتجفيف خزَّان الحُزن فى الصدور؛ إنما موقف الإخوان المُنحطّ قد لا يشطبه الزمن ولا تنساه الذاكرة. يُلخِّص البيان عوارًا عميقًا فى فِكْر الجماعة، وفى الأدبيَّات والمُمارسات، وأن أعضاءها يعدُّونها جنسيّةً بديلة عن الأوطان؛ لهذا يضعون مصلحتها فوق مصالح البلاد والعباد. نتاج ذلك فى مصر أنهم صاروا بين مُجرمٍ مُدانٍ وهاربٍ عميل، ويُلاحقهم العار فى السودان وتونس واليمن وسوريا، وفى المغرب قدَّموا دليلاً مُتأخّرًا على حجم انحطاطهم، وابتذال الدِّين لخدمة أعراض الدنيا. ربّما لا نحتاج بُرهانًا جديدًا على فساد الفكرة، من حسن البنّا إلى أصغر عُنصرٍ فى حظيرتها اليوم؛ لكن من المُفيد أن تتكفَّل الجماعة بتذكيرنا، بين وقتٍ وآخر، بأنها مُستنقعٌ من الأفَّاقين والمُختلِّين ومُشوَّهى العقول والأرواح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.