فى مارس 2018 أصدرت المحكمة حكما بحبس مطربى "مهرجان" مبتذل شهير، ووصفت المحكمة فى حيثيات الحكم على مقدى الأغنية بأنهما "عاثا فى الأرض فسادا وسلكا طريق الشيطان". قبل أيام كنت فى زيارة إلى قريتى فوجدت أطفالا فى أحد الشوارع يرددون كلمات المهرجان التى أخجل أن أضمنها فى هذا المقال، وعندما أتذكر طفولة جيلى أتذكر أننا فى هذا العمر كنا نردد أغنيات مثل "هم النم، وجدو على" وغيرها من الأغنيات، كنت نحفظ نغمات برنامج أبلة فضيلة وننتظره، فكيف وصل الحال بالأطفال إلى هذا المستوى الذى يقتل طفولتهم ويهدد مستقبلهم. 2 قديما كانت الأمهات عندما يبكى طفلها تعطيه "اللهاية" أو "السكاتة"، فيسكت رضيعها، لكنه يظل محاطا بمخاطر تلوث هذه "اللهاية" والتى تصيبه بالأمراض المختلفة، مرت السنوات وتطورت التكنولوجيا، واكتشفت الأمهات "لهاية" جديدة لهذا الزمن وهى "الموبايل"، بات المشهد يكرر نفسه لكن بدلا من إعطاء الأم لرضيعها اللهاية التقليدية، باتت تعطيه الموبايل "فيغرق فى بحر من الفيديوهات" وينسى سبب بكائه. منظمة الصحة العالمية أوصت بأن لا يستخدم الطفل الشاشات "التلفاز والأجهزة الإلكترونية ومن بينها الهاتف"، مدة لا تزيد على ساعة واحدة فى اليوم، وذلك للأطفال الذين تجاوزت أعمارهم العامين حتى أربع سنوات، محذرة من خطورة أن تستخدم الشاشات والهواتف بهدف الإلهاء أو التسلية للأطفال قبل بلوغهم عامين، وتذهب بعض الدراسات إلى خطورة استخدام الأطفال الموبايل قبل بلوغهم الخمس سنوات". 3 عزيزتى الأم... انتبهى من فضلك "أنتِ تقتلين مستقبل ابنك"، لأن استسهال الموبايل كوسيلة لإلهاء الطفل ينتهى إلى مشكلات فى النظر وإعاقة نمو العقل، وتأخر الكلام والتفكير، كما يؤدى الاستخدام المفرط للموبايل إلى تنمية الشعور بالكسل داخل الأطفال، علاوة على انطوائهم وعدم تفاعلهم مع الآخرين على النحو المطلوب، "وكلما زادت فترة بقاء طفلك أمام الشاشات، حُبس داخل واقع افتراضى يقتل فيه الخيال الذى يضمن تفوقه فى المستقبل". الدراسات ومنظمة الصحة العالمية يتحدثون بشأن الهواتف التى تتضمن "نظام مخصص للأطفال"، لكن الكارثة، أن جهل القطاع الأكبر من الآباء بإعدادات هواتفهم، يجعلهم يمنحون الطفل الهواتف وهى بنفس الإعدادات التى يستخدمون الهاتف بها، وهو ما يجعل الأطفال عندما يحصلون على الهاتف يحفظون أغنيات يسمعها الكبار مثل "المهرجان المبتذل" التى وعلى الرغم من حبس صناعها لا تزال متاحة على الإنترنت"، ويجعل الأطفال فريسة لسلوكيات وأفكار البلوجر على شبكات التواصل الاجتماعى "فيس بوك ويوتيوب وتيك توك"، بل يُعيد تشكيل أحلامهم عندما يكبرون ويعرفون المبالغ الهائلة التى يربحها البلوجر، فلو سألت بعض الأطفال اليوم السؤال التقليدى "عاير تبقى إيه لما تكبر؟" ستصدمك إجابة بعضهم بأنه يريد أن يصبح بلوجر مثل فلان أو فلانة". 5 منذ سنوات قليلة، كانت الأهالى تعانى من التعامل مع الأبناء الذين سبحوا للإنترنت فى سنوات المراهقة عندما انتشر فى مصر، فدعنا نتخيل عزيزى الأب وعزيزتى الأم كيف يكون التعامل مع الأبناء الذين تربوا بواسطة الموبايل فى المستقبل القريب. -هل تتوقعون منهم أن يكونوا أبناء بارين بكم عندما يتقدم العمر؟ - هل تتوقعون أن يخرج من بينهم عباقرة وعلماء ورياضيون؟ -اليوم نعانى نحن الكبار من آلالم فقرات الرقبة والظهر نتيجة الجلوس لفترات أمام الشاشات، فكيف يتكون جسد هؤلاء الأطفال؟ الكثير من الأسئلة التى قد تحتاج إلى كتب للإجابة عليها، لكنها تنذر بمستقبل محاط بالمخاطر ينتظر هؤلاء الأطفال والأجيال القادمة، فلك أن تتخيل أن جيلا كون وعيه من البلوجر والفيديوهات التى لا تخضع لأى قيم، بل تغذى داخلهم أن البلوجر هو القدوة، كيف سيكون مستقبلهم إذا ما تعرضوا لمواد تفوق أعمارهم فى مراحل مبكرة.. تخيل الصورة يجعلنى أشعر بالرعب.. فأرجوك عزيزى الأب وأرجوك عزيزتى الأم أن تشاركونى الرعب نفسه.