من أسوأ ما فى الفترات الثورية المعاصرة، هو أن الحابل يختلط فيها بالنابل، ويصبح الرجعى ثورياً، والثورى «فلولاً»، فحين تعلو الأصوات «بالجعجعة»، يبات من الصعب التمييز فيها بين ما هو حق وما هو باطل، بين من ينطق عن رغبة صادقة فى إنقاذ الوطن، ومن ينطق عن «الهوى».. هوى البحث عن مكان له وسط خريطة المصالح الجديدة، أما الأسوأ من هذا وذاك، فهو الذى ينطق عن جهلٍ، لكنه يرى أن له الحق كل الحق فى «النطق» كغيره من شركاء الوطن، ويصبح حينها كحمارٍ يحملُ أسفاراً.. لكنه لا يبالى طالما ظهر فى الصورة! ولأن الكل يريد أن «يبان فى الصورة» تصبح الأخيرة مكتظة بلا منطق، حتى إن إطارها لا يكاد يتسع للجميع، ويصبح على حافة التدمير. الثورة.. كلمة حق يراد بها باطل فى أحيان كثيرة، وفى تجربتنا المصرية، أخشى أن الآية تتجه نحو أن تصبح «مقلوبة»، وتصبح «الثورة» كلمة باطل كان يراد بها الحق! البحث عن مكان أمام شاشة التليفزيون، والبحث عن مكان فى ميدان التحرير، أصبح كلاهما طريقاً للنجومية، نجومية تحمل معها هذه الأيام كثيراً من الوهج والأموال، يعرفها جيداً أشخاص احترفوا الصعود على أكتاف الآخرين، أو درسوا تجارب سابقيهم فى ذلك الطريق، وانتظروا الفرصة، التى جاءت لهم هذه المرة ليس على أكتاف الآخرين، وإنما على جثث الشهداء! لا فرق فالنتيجة واحدة، فى الحالتين تصبح الشهرة الفضائية أو العضوية البرلمانية نتيجة مؤكدة. لو أنكم تسألون عن الثورة، فلتقرأوا التاريخ، لتعرفوا أن الفعل الثورى لا يلغى العقل، وأن الموت وحده ليس كافياً لإثبات حسن النوايا ولا لتمهيد الطريق أمام الحرية والعدل والمستقبل الأفضل، القانون لا يحمى المغفلين، ولا التاريخ يمنحهم الفرصة، أن تصبح جسراً يمر عليه قاتلوك إلى البرلمان فهذه حماقة وليست جسارة، أن تفترض أن العدو سيحاربك بشرف لأنك شريف فهذه غباوة. لكل الثوار الحقيقيين، النجاة من الزيف ليست بإضمار حسن النوايا، بل بإعمال العقل، وتوظيف الدهاء، والتحلى بالقوة، وإلا.. فالخسارة ستكون من نصيبكم وحدكم، فالبلاد ستتجاوز أى محنة، والطامعون سيجنون ثمار حماقاتكم، وسَتُعَلقون أنتم على أبواب المدن عبرةً لمن يفكر بعدكم فى الثورة! وسيقولون إنكم مزيفون، وإن التحقيقات قد كشفت أنكم ثوار made in china، نعم.. ستكون الحسرة من نصيبكم، ولن يسامحكم الشهداء.