سكت الضمير المندس هنيهة ثم سأل الثائر هل تعرفت الآن على الطرف الثالث؟ لبث الثائر يفكر مليّا ثم أجابه.. إنه صورة الطرف الأول الأصيلة فى قضايا الثوار، فأثنى عليه الضمير المندس قائلا، لقد أصبت عين الحقيقة، ثم أخذ يواصل تساؤله للثائر فى أمور كثيرة شغلت الرأى العام طويلا لما شابها من غموض والتواء.. فسأله عن اعتراضه على حكومة الجنزورى رغم حاجة البلاد إلى الاستقرار وعن اعتراضه على بقاء المجلس العسكرى وهو الذى يحمل على عاتقه اليوم تبعات الدولة، وعن نظرته فى الأطراف المنقسمة على الثوار الآن.. فأجابه الثائر عن كل ذلك قائلا.. أما بالنسبة لحكومة الجنزورى فهى من العهد البائد، فضلا عن أن الجنزورى لم يف بالوعود التى قطعها على نفسه مع الثوار، وهى عدم المساس بحريتهم فى التظاهر السلمى وبعدم التعرض لهم بالإيذاء البدنى أو اللفظى وبتحقيق مطالبهم، وفى أول اختبار له بسقوط أول شهيد نقض عهده مع المعتصمين وتنصل من المسؤولية ونفى التهمة عن الجانى ونأى بجانبه عن الثوار وتركهم للبطش والقمع والموت، ولم يحقق لهم فسيلة ولا نقيرا، أما بالنسبة للمجلس العسكرى فإنه يروم الحياة العسكرية ونحن نريد دولة مدنية بكل المقاييس، واستمراره فى الحكم يعنى استمرار الحكم العسكرى، أما عن الأطراف التى تظاهرت فى البداية بتأييدها للثورة ثم أمست منقسمة عليها والممثلة فى الراكب والمندس ومريقى الدماء، فإنها من غير شك قد تسببت لنا فى مشاكل عديدة وكان من ضمنها راكبى الثورة اللذين حصدوا نتاجها بفضل لم يفضلوه وبحساب لم يضعوه فى موازينها بأيديهم، وذلك لأن الثوار يبحثون عن الحرية الكاملة، ولكن بعيدا عن النفاق السياسى ومداهنة الأحزاب، وقد حاورنا القوى الراكبة للثورة بمنطق ناصع فى ذلك إلا أنه قد تبين أن المنطق وحده لا يجدى مع من يكابر العقل ويأبى الإصغاء إلى بيانات الإقناع.. لاقت أجوبة الثائر قناعة الضمير المندس ولكنه طمع فى مزيد من المعرفة عن سر تباطؤ الجهات التنفيذية فى محاكمة الطغاة ومحاسبة المقصرين، فأجابه الثائر بأن التقصير والتمويه والتضليل هى أدوات إخفاء الحقيقة، ألم تشر إلى ذلك فى بداية حديثك؟ فلا أحد من النظام القديم يريد للثورة أن يكتمل عقدها وأصبحنا اليوم نخشى عليها من الإجهاض قبل أن تحقق أهدافها، وقبل أن نحتفل بذكرى عيدها الأول فى 25 يناير المقبل، وأعتقد أن هناك أكثر من ثلثى النظام لم يتم محاسبتهم حتى اليوم، ألم يقل أحد المسئولين البارزين بأن ثروة مصر كانت موزعة على ستين فردا من النظام السابق كان يرضى عنهم مبارك؟ ترى كم واحد منهم الآن خلف الأسوار؟ طأطأ الضمير المندس رأسه ثم قال لقد فهمت الآن العلل والأسباب التى تدفع ببعض أولئك المترفين إلى التجمع فى ميدان العباسية لمناوأة الثوار وهم فى حّل من ذلك. قال ذلك فى مرارة شديدة ثم ودّع الثائر فى حفاوة وإكبار هامسا له لا تدع المزاعم الفاشية والأقاويل الباطلة تنال من عزيمتك، واعلم بأن الله ينصر من ينصره.