بعد العيد فاصل .. وعدنا .. وقبل العيد بأيام قليلة كانت أحوالى الاقتصادية – وما زالت- كأحوال أهل غزة ،لا سيولة مالية، إذنً.. لا لحم، لا رقاق، لا ملابس عيد، لاعيدية، باختصار لا .. عيد. حالة وسط مابين الدويقة وأخواتها "الهم الداخلى"، وغزة "الهم العربى ولا أريد أن أصفه بالخارجى"، كانت حالتى ، مثلى مثل الكثيرين من المنتمين إلى الطبقة الوسطى -عليها رحمة الله - من الشعب المصرى . ظللت أفكر .. طب والعمل إيه؟! ..استدين، لا هذا هم باليل ومذلة بالنهار، طيب "مصر الخير" .. لأميصحش برضه ده أنا العائدة من رحلة عمل بالكويت منذ سنوات قليلة قضيتها فى كد دائم وعمل صحفى متواصل، أى نعم استثمرت ديناراتى ودولاراتى فى صفقة خاسرة من عينة توظيف الأموال وباظت حسبة العمر على رأى زميلتى أمل فوزى، وخسرت كل ممتلكاتى وشقى سنينى فى "نصباية" لذيذة لم تكن ع البال، ولكن لابد رغم ذلك كله من حل يحفظ ماء وجهى أمام صغارى- ثروتى الوحيدة المتبقية - فى هذا العيد كما فى العيد الفائت. كان علىّ أن ابتسم كالموناليزا - ابتسامة بألف معنى و مغزى أو لا معنى على الإطلاق – وأردد الحكمة القديمة المنسوبة لنيتشه- كعادتى عند الأزمات - :" الضربة التى لا تقتلنى تقوينى". ما الهدف من تمضية إجازة هذا العيد؟ كان هذا هو السؤال التالى أو الخطوة التالية، ولأننى لست وحدى، فقد تباحثت ذلك مع صغارى .. سألتهم فأجابوا :" السعادة طبعا يا ماما .. عايزين ننبسط"! وأضفت أنا إليهم، لنستعيد لياقتنا النفسية إذن فى العيد، سنحاول أن نسعد لنقوى دفاعاتنا فى الحياة، نصوم يوم عرفة لنقترب من الله مانح القوة الأعظم وندعوه أن يرزقنا السعادة ثم نبدأ بعدها فى عجن أيامنا بها! اتفقنا .. ثم بينى وبين نفسى تساءلت عن آليات السعادة .. تساءلت عن مساحة الحميمية فى حياتى ؟ لماذا لا يكون هذا العيد لاستعادة هذه الحميمية ؟.. فنحن نخطئ كثيراً عندما نتصور الحميمية على أنها العلاقة الخاصة بين الرجل والمرأة وفقط، فالاقتراب الجسدى والمكانى والزمانى ليس هو وحده أبداً الحميمية, فلربما تحدث هذه العلاقة دون حميمية وهذا أفضل دليل على اتساع معنى الحميمية وشموليتها . فالحميمية رباط وجدانى عاطفى بيننا وبين الناس (البشر) يتم بدون تحسس ولا حذر، فى علاقة تواصل جميلة تجد فيها الرعاية، والثقة، والاستجابة، والانسيابية .. هى علاقة موجودة فى أعلى صورها وأبسطها بين الأم ورضيعها، وهى أروع ما يكون عندما تتوافر فى العلاقة الزوجية عاطفيا ووجدانياً وليس جنسياً فحسب، وعندها تتحول المتعة إلى سعادة .. الأولى مؤقتة والثانية مؤبدة، الأولى محددة والثانية لا نهائية. "عشريين من جوه قلوبنا .. عشريين " .. هذه هى الحميمية فى أغنية شهيرة، ليس الأمر جديداً فماذا جرى لعشرية المصريين وحميميتهم ؟! شيئاً فشيئاً تتآكل وتجف وتتقزم – وأتعمد هنا ذكر الأفعال بالمضارع - لتتعملق أمامها الأنانية والفردية والمصلحة والانعزالية والوحدة .. أشاعوا عنها أنها "هبل " ثم عانوا من مرارة الكآبة والاكتئاب والعزلة ؟! فى الحميمية (سعادة) .. وجدتها إذنً. ثم إنها ليست مع البشر فحسب بل مع الجمادات أيضاً.. ذبذباتها تنتقل وتؤثر وتجد لذلك انعكاسات من كل (شىء) حولك فأنا أؤمن أن المشاعر السلبية تؤثر وكذلك الإيجابية، وأصدق أن جذع النخلة يئن وأن الجبل يبادلنا حباً بحب. بدأت أنا بالحميمية مع من وما حولى، ومنذ أيام العيد وأنا أعيش أحوالاً مختلفة، تجاذبت جينات أسرتى الصغيرة الحميمية مع جينات كثيرة .. لم تعد لدىّ بفضل أصدقاء حميميين مشكلة اجتماعية ولا اقتصادية فى تمضية أيام العيد, لم أشعر بالإحراج لعزومة سينما أو بالمنة لفسحة بالإسكندرية، أو لتناول وجبة تشيكن بانيه فى عيد اللحمة الضانى، لأن الأمر لم يكن "مالاً " أوراقاً وحبراً ملوناً، فهذا يبخل به القريب قبل الغريب، لم يكن جاملتك فكيف ستجاملنى .. وإنما تشاركنا بحب .. تشاركنا بمنطق أننى أشعر بك وأنك تشعر بى وفقط.. كل ما لدى من خلطة معنوية ومادية سأضعه على ما لديك أيضاً، وسنكوّن مزيجاً يضفى على أوقاتنا السعادة.. وهو ما حدث. عند البحر هذه المرة لم يكن المشهد اعتياديا، ففى كل مرة كنت أذهب فيها للبحر وكالعادة أنظر إليه، إلا هذه المرة فقد أحسست أنه ينظر إلىّ، كل شىء على شاطئه كان جميلاً, بهوائه شعرت بفرح غير عادى وحب أيضاً غير عادى. عند شاطئه تذكرت عيد الفطر الماضى، تذكرت أننى أمضيت 7 ساعات من الواحدة بعد منتصف الليل وحتى الثامنة صباحاً فى أحد الأيام وعلى كافيه الشاطئ فى صحبة " وفيق وميرفت " الحبيبين العاشقين الستينيين، اللذين قصا علىّ رحلة حياتهما وحبهما وكفاحهما المشترك فى جلسة بادرت إليها بعد التعرف عليهما، وبعد أن لفتا الأنظار وهما يتقافزان سوياً على الشاطئ كالعصافير، يغنيان معاً بلا خجل، ويفتخران بأنهما على المعاش معاً الآن بعد أن كانا يعملان كدبلوماسيين فى عدد من الملحقيات والسفارات المصرية بالخارج. والحقيقة أن ل " وفيق وميرفت " مقال خاص يستحقانه، فما أريد أن أحرم القارئ العزيز من فيض هذه الخبرة والنضج الحياتى الفائق الذى استمتعت به وأفادنى شخصياً. صّدقت بعد أيام من الحميمية فى العيد أنه عندما تتبخر الحميمية من علاقتنا الحياتية، لابد أن يقول الواحد منّا : أنا تعبان، فالكل يستنزفك لصالحه دون أن ينظر منهم أحد لصالحك الذى هو بالأساس صالحه. الحميمية من آليات السعادة إذن.. وهناك آليات أخرى كثيرة وجدتها بين دفتى كتاب رائع للكاتب أندرو ماثيوز بعنوان Happiness now أو السعادة الآن . منها أن نعلم أن السعادة ليست فى قلة المشكلات أو عدم التعرض للأزمات بل على العكس فالسعداء هم من يواجهون ذلك كله ويحققون السعادة .. يقول الكاتب : " عليك أن تتعامل مع مشاكلك كما لو كنت تتسلق جبلا وفجأة علقت عند حافة الجبل فى هذه الحالة أنت تنسى المستقبل وتفكر فى حاضرك بل تفكر فقط فى الخطوة التى تخطوها وكل مجهودك يكون مركز على الخطوة التالية، بنفس الكيفية تعامل مع مشكلاتك فعليك أن تتحلى بالثقة فى نفسك أولا ثم صب كل تركيزك على اللحظة الحالية وعالج مشكلة واحدة فى كل مرة ثم أبدأ فى خطو الخطوة الأخرى بمشكلة أخرى وهكذا خطوة خطوة سوف تجد أن الجزء الصعب قد ذهب وأن قلقك قد زال. إذن القلق ضد السعادة، عدم الرضا، الجمود ووضع قوانين صارمة لكل شئ، الغضب أيضاً ضد السعادة، فالغاضبون يشعرون أنهم أكثر أهمية من سواهم وأنهم دائما على حق وأن مطالبهم لابد أن تنفذ، إنهم غير سعداء ولا يضفون السعادة على أجوائهم، الذى يجادل الواقع والحياة كثيراً أيضاً هو بعيد عن السعادة، وأخيراً التفاؤل والصبر والتدريب الدائم على الوصول للسعادة فهى لاتأتى صدفة ولا منحة من أحد.. أى أحد. * زميلى منتظر الزايدى -28 سنة – أفهم تماماً دوافع فعلتك إنسانياً، وأعرفها جيداً مشاعر الظلم، وأنه حين يّمكن المظلوم ولو من بعيد من ظالمه فإنه لايمكن حينها أن يسأله أحد ماهى مهنتك ولاأدواتك ولا حدودك.. لأنه سيتصرف حينها كإنسان مظلوم وفقط.. قصتنا معهم يا زميلى العزيز لن تنتهى، تكملتها الكبرى وقصاصها المرضى فى الآخرة، لأن رجالنا لا يملكون غير الأحذية فى دفع الظلم وبعضهم لكونها "ماركة" يخاف عليها أكثر من كرامته.. ليتهم يفكرون بعقولهم كما يفكرون بقلوبهم ولا يكتفون بالتهليل لحذائك.. وتحياتى لشجرة الدر!