المجموعة الجنسية هي كيس بلاستيكي شفاف صغير يحتوي على عدد من الأقراص المقوية للأداء، يمكن أن تمسكها بين أصابعك وتتأمل تلك الحبيبات التي لا تعرف أسماءها، لكنك تعرف مفعولها السحري، يمكنك أن تدسها في جيبك بسهولة وتمضي، بينما تتخيل تلك القوة العجيبة وهي تنتقل من جيبك إلى معدتك بمجرد وصولك المنزل، وبعد ساعة بالتمام والكمال ستنتقل إلى أماكن أخرى في جسدك، ستجعل صعود الجبل آمناً. في حكاية عن صيدلاني مصري، نجحت المجموعة الجنسية نجاحاً ساحقاً، نجحت حين بدل بعض ما فيها من أقراص منشطة ببعض أقراص الصداع، نجحت حتى بعد أن أصبحت معظم أقراص المجموعة الجنسية حبيبات للصداع، لقد تلقى عليها الثناء والمديح بشكل شبه دائم، بشكل جعل الصيدلي ذي القامة الطويلة والجاكيت الأسود الذي لا يفارقه طوال الشتاء، يتشكك: إما أن يكون علم الدواء الذي درسته كذبة كبيرة، أو أن أغلب هؤلاء الناس ليسوا مرضى بالضعف الجنسي، لم يكن في الأمر كذبة، كل ما هنالك أن أقراص الصداع أنتجت المفعول المعروف بمفعول البلاسيبو. هكذا يسميه، تنجح هذه الطريقة حينما لا يكون هنالك حل آخر مع المريض، هذه وجهة نظر حلمي/اسم مستعار): لا يوجد أمامك حل مع المريض بالوهم النفسي ساعتها سوى هذا الحل، والغريب أنه يجدي نفعاً.
مفعول البلاسيبو
هناك نسبة كبيرة من مبيعات المنشطات الجنسية تذهب للشباب دون سن الشيخوخة، روايات الصيادلة تؤكد ذلك، هل هنالك أسباب تدفع إلى تناول المنشطات الجنسية في سن الشباب؟ مرة أخرى في المقهى ووسط مجموعة من الصيادلة، ليلة خريفية جميلة ورقعة الدومينو في المنتصف وأكواب من القهوة والشاي الساخن، أجواء كهذه يمكنها أن تسمح لأبناء المهنة الواحدة بتبادل الحكايات بحرية، حكى أحدهم عن شاب في مقتبل العمر دفع باب الصيدلية ثم دخل يطلب منه منشطاً جنسياً، لقد حصل بالفعل على حبة دواء في يديه لكنها لم تكن سوى مسكن للألم (قرص إكسدرين)، يقول: الغريب أن الشاب نفسه أتى في اليوم التالي وهو يستفيض في الثناء على أدائه مع قرص الإكسدرين. "لم يكن يعاني من الضعف الجنسي" ، هكذا أجابني د. سيد علي (اسم مستعار) من الجانب الآخر من المنضدة. هذا هو فعل البلاسيبو مرة أخرى: يحدث أن يتناول الناس بعض الأقراص دون أن يعلموا كون هذه الأقراص خالية من المادة الدوائية التي وعدوا بها، لكنها تنتج تأثيراً نفسياً يشبه مفعول الدواء ولو بشكل جزئي، الاستعداد النفسي هو الذي يلعب الدور الحاسم في هذه المسألة. لكن ما الذي يجعل شاباً يبدأ حياته في حاجة إلى مفعول البلاسيبو؟ بعد لحظات من البحث على شاشة الهاتف أصبح أمامي عدد من التقارير والإحصاءات. شبابنا سليم بدنياً؟ صيام والبكري ورشوان ثلاثة من الأطباء المصريين قرروا أن يقوموا بدراسة نسب المصابين بالضعف الجنسي في مصر، صحيح أن نسبة 13.9 ٪ من الرجال المصريين مصابين بالضعف الجنسي الكامل لكنها ليست بالنسبة المفزعة مقارنة بباقي دول العالم، والخبر الجيد أيضاَ أن تلك النسبة تتوزع بين الرجال من سن 45 عاماً فما أكثر، الشباب المصري إذن ما زالوا خارج دائرة الخطر، هم على ما يرام بدنياً، على الأقل فيما يخص مسألة الخصوبة، أما من الناحية النفسية فمازالت الاحتمالات مفتوحة، نحن مازلنا بالمقهى لذلك كان يمكنني إعادة السؤال بشكل أوضح. أنتم صيادلة ولديكم زبائن يريدون علاجاً لحالة مرضية لا يشتكون منها؛ ما السبب؟ أجابوني بالاحتمالات التي تدور في رؤوسهم بينما أوراق الدومينو تهتز في أيديهم، - ربما الخوف من الفشل في العلاقة الحميمة، ربما الضغط الناتج عن ساعات طويلة من العمل، وربما هناك بعض الشباب الذين ينتظرون من العلاقة الحميمة ما هو أكثر، أداء أقوى ومدة أطول. اقترب أبو علاء عامل المقهى متحججاً برفع الآكواب الفارغة، وأكملوا النقاش: الطمع في الحصول على قدر أكبر من اللذة، الصيدلي يقف خلف فاترينة زجاجية والباب مفتوح يمكن لأي شخص الدخول إليه والتحدث معه بسهولة، هل لديك جديد؟ هل هناك ما هو أقوى من ذلك. الجميع يطلبون أداءً أقوى ومدة أطول ولذة أعلى، تتحول ممارسة الرغبة والخب إلى معادلات رياضية تتحكم فيها الأرقام الكبيرة- وهكذا انتهى جدل المقهى وعاد الاهتمام كله لينصب مرة أخرى على عد أوراق الدومينو.
الحب والجنس كمجرد مباراة تحكمها الأرقام:
الطريقة التي نعتقد بها في الشيء تؤثر على سلوكنا نحوه، هذه إحدى بديهيات علم النفس المعرفي، وبناءً على تلك البديهية فإن وجهة نظر شخص ما عن الجنس أو الحب تؤثر على الطريقة التي سيمارس بها هذه الغرائز المهمة. إذا كان العدد الغالب من الرجال والنساء يعتقدون أن العلاقة الحميمة الناجحة هي الفحولة الجنسية الخارقة، فإن الشباب سيطلبون المزيد والمزيد من الفحولة الجنسية، بصرف النظر عن الحد الكافي، إذا كان النمط السائد في تقييم العلاقة يعتمد علي الأرقام، طول العضو أو مدة التداخل، فإن الشباب سيتبعون نفس النموذج، سيتعاملون باختزال مُخل مع واحدة من أغرب المشاعر والغرائز وأكثرها تعقيداً، غريزة الجنس في علاقتها مع الحب.
ثيودور أدورنو كان أحد المنتقدين بشدة لشيوع هذه المعتقدات والأفكار الاجتماعية عن الجنس في العصر الحديث، كان أدورنو أحد الفلاسفة المؤسسين لمدرسة فرانكفورت التي انصب اهتمامها على دراسة المجتمع، وقد لا حظ ما أسماه ب(تمركز إنسان هذا العصر حول أعضائه الجنسية). شخص يدور حول أعضائه الجنسية، معناها أن تصوره عن الجنس الآخر يتلخص في مجرد عضو، يدور تفكيره حول شيء واحد: كيف يمكن أن يحصل هذا العضو على أكبر قدر من اللذة) في تجاهل تام لما يحيط بالعلاقة الجنسية من مشاعر أخرى أصيلة ولصيقة بالرجل والمرأة، من بينها الحميمية والحب والتفاهم مع شريك المشوار. لاحظ أدورنو كذلك أن التمركز حول العضو الجنسي يدفع الرجل لاختزال جسد المرأة كله في مجرد عضو، والمرأة إلى اختزال الرجل إلى مجرد عضو، وقياساً على وجهة نظر أدورنو لا يصبح حب إنسان العصر الحديث للمنشطات الجنسية أمراً غريباً.
تقارير وإحصاءات: إكتئاب وقلق: الاكتئاب والقلق المرضي والتوتر، جميعها أسباب نفسية تؤدي لما يُسمى بضعف الانتصاب النفسي، ذلك بحسب التقارير الطبية والنفسية، ربما يكون الشباب المصريون خارج دائرة الخطر من الاعتلالات البدنية التي تؤدي للضعف الجنسي، إلا أن الأسباب النفسية والاجتماعية موجودة، خاصة وأن معدلات الاكتئاب والقلق المرضي بين الشباب عالية، هذا ما تثبته الدراسة التي أجرتها جامعة المنوفية على عينة كبيرة من طلاب المدارس الثانوية بين عامي 2011 و 2012. هؤلاء ستتراوح أعمارهم الآن ما 26 و29 عاماً، 28٪ من بينهم لديهم تاريخ مرضي سابق مع أعراض الاكتئاب و41٪ من بينهم لديهم تاريخ مرضي سابق مع القلق المرضي. على الجانب الآخر من الهاتف، كان هناك إبراهيم رضوان تمساح أخصائي نفسي وحاصل على ماجستير علم النفس الإكلينيكي يتحدث عن المسببات النفسية للضعف الجنسي، على رأسها الإدمان والاكتئاب والقلق المرضي والضغوط الاقتصادية، بحسب تمساح هناك نسبة كبيرة من الشباب الذين يعانون من اكتئاب مرضي داخل المجتمع المصري، نمط الحياة الحديثة الضاغط هو أحد الأسباب الرئيسية للاكتئاب بين صفوف الشباب في مجتمعنا وربما في العالم كله، الاكتئاب ليس مجرد حالة من الحزن تنتاب الشخص لكنه مرض يؤدي إلى الإضرار بالكثير من الوظائف الحيوية للجسم من بينها الرغبة الجنسية، أما عن القلق المرضي فهو لا يقل تأثيراً عن الاكتئاب في هذا الشأن، يقول: إذا أضفنا ارتفاع نسب الإدمان بين الشباب في مصر تصبح الصورة أكثر وضوحاً. الإدمان! تمساح الذي يتضمن جزء من عمله التعرض لحالات الإدمان يذهب إلى أن إدمان المخدرات بأنواعها (الترامادول والاستروكس والهيروين) هو أمر شائع بين صفوف الشباب، يتخيل الشباب في البداية أن تناول هذه العقاقير يساعد على زيادة القدرة، لكن ومع مرور الوقت تقل الرغبة لدى المدمن وتصل إلى حدود التلاشي، ولا يعود لدى الشخص الخاضع تحت سيطرة العقار أي هم سوى الحصول على المخدر، تتعطل رغبته في ممارسة الحياة، وتتعطل معها رغبته في الحياة الحميمية مع شريكه. شعور بانعدام الجدارة! بحسب الدراسات النفسية يتسبب الشعور بانعدام الجدارة فيما يُعرف بضعف الانتصاب (النفسي) ، لكنه قد يتحول كذلك إلى رغبة عارمة في إظهار الفحولة الجنسية أمام الشريك، كنوع من التعويض لكل الفشلات الاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها الشخص، في عالم اللاوعي قد تدفع الأزمة الشخص للانسحاب (ضعف الانتصاب) أو إلى اتخاذ آلية دفاعية مضادة كالسعي للفحولة الجنسية المبالغ فيها، وفي الحالتين سيلجأ للمنشطات الجنسية.
، نسب المكتئبين والمصابين بالقلق من الشباب أعلى من المستوى الطبيعي، وهناك رابط طبي بين هذه التشوشات النفسية وبين ممارسة الحياة الشخصية بشكلها الطبيعي، ضغوط ومشاعر سيئة وأفكار شائعة لكنها مغلوطة عن الحب والجنس، أشياء قد تدفع لتزايد أعداد الشباب أمام الصيدليات، مع المزيد من طلب المنشطات والمجموعات الجنسية ومفعول البلاسيبو.
من شهريار لابن المدينة المزدحمة: في الملحمة الشرقية ألف ليلة وليلة التي يعرفها كل عربي، يصطدم شهريار بمشهد زوجته مع عبد من عبيد القصر، يقتلها ويقرر أن يضاجع امرأة جديدة كل يوم من بنات الناس، أزمة شهريار النفسية تدفعه لاستعراض فحولته الجنسية أمام الجميع، شهريار الذي يجلس على المقهى ويباهي بفحولته مع النساء هو نموذج ملحوظ في العصر الحديث، هزائم نفسية من هذا النوع لا تأتي إلا بعد إحساس مرير بالفشل في مواجهة العالم، فشل مادي أو اجتماعي أو عاطفي، الصدمة الناتجة عن خيانة الشريك ليست إلا احتمال واحد من بين الاحتمالات العديدة، والشعور بالفشل الدائم هو سمة شائعة في العصر الحديث، أصبح مطلوباً من الإنسان أن يبحث عن فرصة واحدة وسط اعداد هائلة من البشر، يطلب العصر الحديث من الإنسان أن يتحدى أقصى طاقاته، إجهاد هائل وعام يصيب الجميع، لا مفر من الزمن، والزمن الحديث يتطلب من الإنسان أن يكون صلب نفسياً إلى أقصى درجة، عليه أن يعرف أكثر من أي وقت مضى: كيف يكون صلب نفسياً دون أن تتشوه نفسيته.