أعرف أن الأحرار يملأون الدنيا ضجيجا، كنوع من الإزعاج، حتى لا ينام ضمير العالم، فيتقلب على أجساد الفقراء الضعفاء، وأدرك أن الخوف لا يصنع تاريخا، وأعلم أنه ربما يكسر المدفع سيفى، ولكنى أؤمن بأن الباطل لا يمكنه أن يهزم حقى، وأن رجلا واحدا شجاعا فى جماعة هو أغلبية كل هذه العبارات، وغيرها شكَّلت بداخلى قناعة، تحولت إلى طاقة شحن حركتنى؛ للمشاركة فى ثورة ٍدعا لها شباب مصر، عبر موقع التواصل الاجتماعى(فيس بوك) فى يوم كان بالأمس القريب عيداً للشرطة ،والتى تحولت بفعل الدولة البوليسية وقانون الطوارئ إلى قوة غاشمة، قامت بإطلاق الرصاص الحى، فلم تقتل سوى الخوف بداخلنا، ولم تكسر سوى هيبتها، فتوجهنا بالنساء والأطفال من كل المحافظات، وفى كل الميادين، وأبهرنا العالم فى ثمانية عشر يومًا من النضال مدفوع الثمن من أرواحٍ نحسبهم "شهداء عند ربهم يرزقون" ومصابون ننحنى ونقبل التراب من تحت نعالهم إلى هنا .. وكانت الأمور أكثر من جيدة، حتى تدَّخل بعض المحسوبين على الإعلام، وبخاصةالمرئى منه، وعدد من القنوات الفضائية باستضافة رموز شباب الثورة وميدان التحرير، وأوهموهم بأنهم وحدهم من قام بالثورة، وأن الإسلاميين هم المستفيدون من مغانمها بمقاعد برلمانية وسنّ دستور جديد، ولم يسأل الشباب نفسه، لماذا الإسلاميون وحدهم مضطهدون قبل الثورة وبعدها؟ ولماذا تشاهد الملتحى فى أفلامهم إما نصاب أو إرهابى أو أبله أو بلا ضمير، حتى تمزّق جسد المجتمع، وأصبحت البلاد فى حالة استقطابية بين هذا وذاك، ونسى الجميع ديمقراطية الصندوق، والآن بعد حرق هذه الوجوه إعلاميًا، لأن كثرة الإمساس تفقد الإحساس. كما أن بعض هذه الرموز من الشباب بعد برمجتهم بأن تضحياتهم من أجل مصر لا بد أن يكون له ثمن ومقابل من شهرة وحصانة برلمانية، لم يعد أمامهم إلا تعطيل الانتخابات بكل قوة، شاركهم فى هذا قوى سياسية، ورموز أحزاب ديكورية، وزعامات كرتونية من أصحاب النضال المجانى، الذين يعلمون الفارق الكبير بين حروب الفنادق وحروب الخنادق، و تدرك جيدًا أنها ليس لها أدنى وجود أو مصداقية لدى رجل الشارع، الذى تم وصفه من قِبَلهم عقب الاستفتاء الأخير ونتائجه بالتخلف وعدم الوعى. وللموضوعية فأنا أعلم أن أداء المجلس العسكرى "السياسى" ضعيف، ولكنى أعلم من البداية أنه محظورٌ عليه العمل بالسياسة قانونا، وهذا قدر استطاعته، وأعلم أن أداء حكومة الدكتور شرف كان مرتبكا، وغير موفّق، ولكن لا ننسى أنها من اختيار ميدان التحرير، وتعلمون أنه ليس كل الشرفاء أكفاء فى القيادة أو أشخاص لديهم "كاريزما" يلتف حولهم الجميع من أجل تحقيق أهداف مشتركة، وأعلم أن محاكمة قتلة الشهداء، ورموز النظام المخلوع بطيئة جدًا، ولكن هذا هو القضاء الذى نتغنى به، وحيث إننا أمة لها تاريخ وبلا ذاكرة، فدعونى أتذكر معكم أننا قمنا بثورة شعبية أبهرت العالم، على نظام حوَّلنا من فساد الدولة إلى دولة الفساد، قدَّمنا رأسه ورموزه إلى المحاكمات، وهم الآن داخل السجون مقيدو الحرية، وحصلنا على قانون ينظم التظاهر، وعدَّلنا القوانين سيئة السمعة الخاصة بصلاحيات الرئيس، ولكن ليس معنى هذا أن نتظاهر لأى شىء، فالأهداف المشتركة معروفة للجميع، وجمعة الوثيقة والمطلب الواحد خيرُ شاهد. أما بعض رموز الشباب فيريدون إسقاط كل شىء فى هتافهم من أجل الظهور فى المشهد وحدهم، وهذا لن يحدث؛ لأننى أثق فى قوة وسلامة وطهارة وبراءة الضمير الجمعى للمصريين. لن أتحدث عن أخطاء وقعت كان يمكن تفاديها، فبماذا يفيد البكاء على لبن مسكوب!، ولكن على المجلس العسكرى طرح نفسه للاستفتاء؛ للحصول على شرعية إدارة البلاد، حتى يهدأ هذا الشباب ويعرف أن للصورة أبعاد أخرى، وفى المشهد أطراف متعددة، وأن الشعب لن يسمح بإنتاج النبيذ القديم فى زجاجة جديدة. وأثق وأتوقع تأييدا كاسحا للمجلس العسكرى من واقع معرفتى بالتركيبة المصرية، وقتها سوف تسير الأمور بدلاً من هتافات السقوط ،التى طالت كل شىء، من مدربى الأندية الشعبية حتى المشير، حتى فقدت الكثير من معناها. أما إذا استمر الحال على ما هو عليه فأتوقع هتاف "يسقط الرئيس القادم".