يبدو أن كل ما كان يهواه العقيد ناله إلا لحظة النهاية لم تكن كما يهوى ويحب. حارب القذافى الدين فى شعبه فلم يَجد فيهم تحذير الدين حين كان فى أمَس الحاجة لهذا التحذير"ألا تقتلوا أسيراً أو أعزلاً أو مولياً"، وسن لهم سُنة العنف والقهر فأبى القدر إلا أن يذوق منها ذوقة مُذِلة فى آخر يوم بل فى آخر لحظة من حياته، ولعله يحمل وزر هذه السُنة ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة. وكان الرجل عاشقا للكاميرا محبا للشو الإعلامى بكل جوارحه وحواسه، ملابسه المزركشة، نظرته المتعالية، حرسه النسائى الخاص، خيمته التى يبقى فيها أينما حل أو ارتحل، إعجابه بنفسه، ثواره الذين يخطب فيهم، حتى معنى الثورة الذى يدعيه – ثائر من الخيمة- لم يُحرمه لحظة النهاية فكانت نهايته على يد ثواره. كانت قضيته "نفسه" وإن آمن بها على أنها "ذات" كعادة المتكبرين وليست نفسا كما خلقها الله عز وجل، ظهر هذا فى طغيانه واستئثاره بثروات بلاده الطبيعية هو وأسرته دون باقى الشعب إلا ما يقيم عوزهم. وتغييبه لهم عن الحكم "بخبث" تحت مسمى اللجان الشعبية فهم يحكمون أنفسهم بأنفسهم وهو لا يملك حتى الاستقالة وإلا لوح بها فى وجوههم، واحتقاره لهم ووصفه لهم "بالجرذان". الكِبر خطيئة إنسانية عظيمة، قضية منتهية فالكبرياء والعزة لله عز وجل لا لغيره. شرعًا الشاة تذبح لا لذنب ارتكبته وإنما لمنفعة يُنتفع بها وتُسلخ بعد ذبحها لا قبل ذلك، وتأخذنا بها الرأفة لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم – إ ذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته أو كما قال – صلى الله عليه وسلم - وهى فى أول الأمر وآخره شاة. المشهد دموى وحشى يؤديه بشر على مذبح الإنسانية، الشاب يعبط العقيد تحت ذراعه كأنه "شئ" أى شئ-أى حاجة- ويضعه فوق السيارة ويشرع فى -شلح- ملابسه السفلية قبل ذبحه -أقصد قبل قتله - تماما كما نفعل بالشاة حين نسلخها، والرجل يقاوم مقاومة المستسلم الذى يوقن بالنهاية، ولكن لابد من النهاية. نهاية بلدى- بدون سخرية - بدون مُخرج، المُخرج هو الأمر الواقع، فالرجل الذى ملء الدنيا كبرا وغرورا هو ذاته الذى تنتهى حياته على قارعة الطريق، مختبئا فى ماسورة صرف مياه أمطار- بالمناسبة ليست تصريف مجارى - حليق جانبى الرأس يصوره مصورون هواة بكاميرا محمول –على ماقُسُم- وهو يقاوم على قدر قوته التى وهنت من طول الفرار والخطابة والتلويح باليدين فى الهواء، انهارت نفسه التى ظنها يوما "ذات" فوجدها أضعف من أى نفس لأنها ما استطاعت أن تحمل أمانة المسئولية .واكتمالا للنهاية كان الثوار حوله كما أحب دوما أن يكون بل هو بين أقدامهم وتحت نعالهم، هذه المرة ليسوا معه ولا يهتفون له بل ضده حتى النهاية، والنهاية هنا قرارهم. وما بعد النهاية. جثة العقيد وكذلك فعلوا بجثة ولده، ملقاة- نصف عارية - على الأرض فى ساحة سوق تجارى – سلعة - تُلتقط الصور بجوارها مع علامة النصر-لزوم الشو الإعلامى، النساء والشيوخ والشباب فى مشهد حقيقة لا أرى فيه نصرا بل هزيمة، فشريعة الغاب لا تقيم دولة القانون فضلا عن دولة أصلا. والذى لا ينتصر على نفسه لا ينتصر على أحد. "يا حبيبتى يا مصر" خرجت من القلب فكل أطراف الواقع المصرى لم يكونو بهذا السوء لا الرئيس المخلوع ولا المجلس العسكرى ولا الشعب، فرغم كل التجاوزات "والقرف" تبقى مصر المحروسة برعاية الله.