كان لاختطاف السفينة الأوكرانية المحملة بأسلحة روسية ثقيلة ومعدات عسكرية، فى مياه خليج عدن فى شهر سبتمبر الماضى، دور مهم فى تسليط الضوء على عمليات القرصنة التى يشهدها بحر العرب وخليج عدن، وبدى واضحا مدى الاهتمام الدولى والإقليمى بما يجرى بالقرب من السواحل الصومالية المضطربة، التى يصل طولها إلى 3700 كم، وتطل على الملاحة الدولية القادمة من المحيط الهندى وبحر العرب إلى البحر الأحمر، ولا تجد من يُسيطر عليها. سوى جماعات وعِصابات إرهابية أثبتت فاعليتها على نحو مثير. ومكمن الخطر فى تلك العلميات أنها تهدد الملاحة فى البحر الأحمر، والذى لا يخفى أهميته كمَمر بحرى رئيسى للتجارة بين الدول ليست بحاجة إلى برهان، فهو عبر التاريخ كان ممرّا دوليا آمناً. وتعرف القرصنة، بأنها الجرائم أو الأْعمال العدائية، التى ترتكب السلب والنهب فى البحر ضد سفينة ما أو طاقمها أو حُمولتها، دون وجه حق. ويُعرّف القرصان بأنه المغامِر الذى يجوب البحار لنهب السُّفن التجارية. وتبعا لمتوسطات أرقام إحصائية فى الفترة من عام 2000 وحتى 2007، فإنه يمر عبر البحر الأحمر حوالى 325 مليون طُن من البضائع و10% من إجمالى الشّحنات البحرية العالمية سنويا، كما ارتفع عدد ناقلات البترول التى تمُر سنويا فى قناة السويس إلى 21 ألف ناقلة، كما زادت كميات البترول الخام التى تتدفّق عبر الأنابيب إلى البحر الأحمر بشكل هائل، وأدّت التوترات المسلحة فى الخليج منذ بداية التسعينيات إلى كثافة غير معتادة فى مرور القِطع العسكرية البحرية عبر مياه البحر الأحمر، وهو ما يقلق المجتمع الدولى. مخاوف عربية ودولية ومما يثير القلق الدولى أن عمليات اختطاف السفن ارتفعت بصورة ملحوظة خلال الأشهر الأخيرة، خصوصا لدول حوض البحر الأحمر، وهو ما ظهر خلال لقاء وزير الخارجية المصرى أحمد أبو الغيط بنظيره السودانى الشهر الماضى، وفى الآونة الأخيرة عقد مجلس السلم والتضامن التابع للجامعة العربية، سلسلة من الاجتماعات فى محاولة لإيجاد حل لهذه المشكلة، فى ذات الوقت كانت قِطع البحرية تابعة للناتو قد تحركت إلى بحر العرب والسواحل الصومالية، كما أن سفينة عسكرية روسية وصلت إلى المنطقة ذاتها مصحوبة بإعلان صريح بأن روسيا ستتعامل بالقوّة مع عمليات القرصنة فى المنطقة، كما أن كل من الهند وماليزيا وجنوب أفريقيا قد أرسلوا قِطعا بحرية للغرض ذاته. مصر الأكثر تضررا من عمليات القرصنة ورغم أن متحدثا رسميا لهيئة قناة السويس المصرية، أكد أن الملاحة فى البحر الأحمر آمنة تماما ولم تتأثر بعمليات القرصنة الصومالية التى تهاجم أساسا السّفن الصغيرة وليست الكبيرة التى تمُر من القناة، لكن اختطاف النقالة السعودية العملاقة يوم 18- 11 قلب التوقعات. مصر من جانبها، والتى عانت من القراصنة الصوماليين الذين خطفوا عددا من سُفن الصيد والبضائع المصرية فى الفترة الماضية، والتى يعنيها أمن البحر الأحمر، نظرا لصِلته الوثيقة بأمن المِلاحة فى قناة السويس، التى تُعد المصدر الثانى للدخل القومى بعد السياحة، لا تمانع من أى تحرك دولى لحماية الملاحة فى البحر الأحمر وخليج عدن، شريطة الالتزام بالقانون الدولى للبحار، وألا تمَس هذه الجهود سيادة وأمن الدّول المُطلة على البحر الأحمر. وتنطلق الرؤية المصرية من اعتبارين متلازمين، أولهما، أن ما يجرى فى خليج عدَن وثيقُ الصِّلة بأزمة الدولة فى الصومال وغياب المصالحة الوطنية بين الفصائل المتحاربة هناك، وهو ما يلزم بضرورة تحرك عربى مدعوم دوليا لإعادة بناء الدولة الصومالية سلميا، ومِن ثَمّ عودتها إلى مظلّة الدول الطبيعية. الثانى، ضرورة الحِرص على تنسيق كافة الجهود والمبادرات المقترحة لمكافحة القرصنة فى خليج عَدَن مع قواعد القانون الدولى ذات الصلة، ومع اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار، وأن توضع الضّمانات الكافية التى تكفل شرعية وقانونية هذه الجهود، غير أن مثل هذه الدّعوات ما زالت تائهة بحثا عمّن يتعامل معها بقدر من الجدّية المناسبة. وربما يكون لاجتماع يوم الخميس 20 - 11 والذى دعت له الخارجية المصرية، لكل الدول المشاطئة للبحر الأحمر، دور فى صدور إجراءات تحمى مصالح مصر الأكثر تأثرا بأزمة القرصنة. على الجانب الدولى وفى الأسبوع الأول من شهر أكتوبر الماضى، أصدر مجلس الأمن قرارا يُدين فيه أعمال القرصنة الصومالية ويطلب من الدول التعاون معا لمُواجهة هذه الظاهرة البغيضة. كما شكل الأوروبيون وحدة مساندة بحرية من سِت قطع بهدف تأمين السُّفن الأوروبية المارّة فى بحر العرب والبحر الأحمر. يذكر أن خطف الناقلة السعودية العملاقة التى يصل حجمها لثلاثة أمثال حاملة الطائرات، يعد الأبرز بعد الهجوم الذى قام به القراصنة هذا العام, حيث خطفوا سفينة أوكرانية تحمل 33 دبابة ومعدات عسكرية أخرى. ورصد المكتب البحرى الدولى 199 جريمة قرصنة أو محاولة للقرصنة منذ يناير إلى سبتمبر الماضيين، بينها 63 بخليج عدن وقبالة السواحل الصومالية، وما زال القراصنة يحتجزون السفينة الأوكرانية ونحو 12 سفينة أخرى رغم المراقبة الأمريكية، ومرابطة سفن حربية أخرى بالمنطقة.