سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«اليوم السابع» تقضى 20 ساعة فى عرض البحر مع ثوار ليبيا.. «العمرونى» ابن ال 17 عاماً يعشق الجهاد ويصف «بن لادن» بالقائد.. و«عبدالقادر» ترك الجامعة رافضاً إجباره على حلق لحيته
نقلاً عن العدد اليومى «اللهم احقن دماءنا وانصرنا على القذافى ووحد صفنا واهزم عدونا».. دعاء تردد صداه على ظهر الباخرة «إينوس» اليونانية فى طريقها من مدينة بنغازى إلى ميناء مصراتة البحرى، فى رحلة استغرقت قرابة ال20 ساعة قضتها «اليوم السابع» مع الثوار المتجهين لدعم جبهة القتال فى طرابلس، استعدادا لدخول مدينة «سرت».. حمل الثوار خلالها قصصا من المعاناة والظلم لم يخفف من آلامها سوى هتافهم المتكرر «الله أكبر» الذى أصبح شعارا يوحدهم، وينزل السكينة والطمأنينة على قلوب الجرحى وأهالى الأسرى. صفوف المصلين بزيهم العسكرى الذين اصطفوا خلف الشيخ عبدالقادر محمد ذى ال 25 عاما جعلت لدعائهم قوة تشعر بها عندما ردد «اللهم تقبل شهداءنا واجبر كسرنا»، عبدالقادر يعتز بسلفيته التى بسببها- كما يروى- غير مسار حياته مفضلا عدم دراسة الطب ليلتحق بقسم الدراسات الإسلامية فى كلية التربية، إلا أن الاعتقال المتكرر له على أيدى رجال الأمن الداخلى جعله يترك الجامعة منذ العام الأول، رافضا تلبية رغباتهم بحلق لحيته وتوريط أصدقائه فى قضايا أمنية، قائلا: «كانوا يستهزئون بلحيتى وسواكى وتقصيرى للثياب وبالسنة النبوية، وتحكم القذافى فى صومنا وصلاتنا وأغلق الجامعة الإسلامية، وطارد الشباب المتدين». عبدالقادر الذى تجمع حوله عدد من الجنود، يروى بعضا من المواقف التى أفرزتها الثورة قائلا: «طلبت والدة أحد الشهداء أن يأتى الثوار لها بجندى من كتائب القذافى لترميه بالرصاص كما حدث مع ابنها، وعندما حقق لها الثوار ما تريد وأمسكت بالرشاش لتقتله، قالت لقد أعتقته لوجه الله ليغفر الله لولدى، وطلبت من الثوار أن يحتفظوا به حتى تهدأ الأوضاع ويعيدوه إلى أهله، مضيفا كذلك: «كان لأحد الأهالى ثأر وظلوا يبحثون عن قاتل ابنهم حتى علموا بوجوده فى الجبهة يقاتل بجوار الثوار، فطلب كبير العائلة من الشباب إسقاط حق الدم فداء للثورة والثوار». ورغم البساطة التى يبدو عليها عبدالقادر، ونفيه ما يتردد عن نمو تنظيم القاعدة فى ليبيا، قائلا: «طبيعة القبائل الليبية لا تقبل أن يفرض أحد أمرا عليهم بالقوة»، فإن حركة الاعتقالات المستمرة للكثير من الشباب السلفى بتهمة الانضمام للقاعدة، خلقت أجواء من الارتباط الروحانى بالفكر الجهادى، من بين هؤلاء أحمد بكير، وهو شاب ثلاثينى من مدينة بنغازى، هادئ الطباع، اعتلى ظهر الباخرة منهمكا فى قراءة القرآن، يقول: «حاولت السفر للعراق عن طريق سوريا قبيل احتلالها للانضمام للمجاهدين هناك، فتم القبض علىّ فى سوريا وإعادتى لليبيا لتحقق معى قوات القذافى 6 أشهر كاملة، ثم تحكم على بالسجن لمدة سنتين و8 أشهر بتهمة الانضمام للقاعدة». عبدالله العمرونى، شاب لم يتجاوز ال 17 من عمره، من مدينة بنغازى هوالآخر، يرى فى أسامة بن لادن وأيمن الظواهرى القدوة والنموذج، عشقه للجهاد جعله يغادر منزله دون أن يعلم أهله بأنه ذاهب للمشاركة مع الكتائب لتحرير «سرت» من قوات القذافى، ظل منشغلا طوال الوقت بزيه العسكرى، وترديد الأناشيد الجهادية، مشيرا إلى بن لادن باسم القائد. ويرى أن دور النساء فى الجهاد لم يتعدَ سوى الهتاف ب«دم الشهداء ما يروح هباء». «قادتنا حذرونا من الظهور فى الإعلام» والسبب كما يرويه العمرونى: «قالوا لنا إن صغر سننا سيثير غضب المنظمات الحقوقية الدولية التى ترفض استغلال الأطفال فى الحرب»، قالها العمرونى معلنا رفضه التقيد بمواثيق دولية لا تعبر عنه. «القذافى استحوذ على البترول، وترك أبناءه يسيطرون على الشركات والعقارات»، قالها شعيب محمد من مدينة درنة، متذكرا وهو على حافة الباخرة عمله كمهندس بترول، وتم فصله بسبب خطأ لا ذنب له فيه، موضحا: «بنغازى تعوم على بئر من البترول، وأغلب المنطقة الشرقية كذلك، ولو أحسنا استغلال البترول لأصبحنا دولة متقدمة، ولكن القذافى كان يقول دوما ما تحت الأرض ملكى وما فوقها لأبنائى». لم يسلم شعيب من سجون القذافى التى قضى فيها 7 سنوات، تعرض خلالها للضرب والتعذيب والإهانة، يروى متألما: «كانت قدماى تتورمان حتى أصبحتا كرأسى من كثرة الضرب»، أما عن التهمة فيقول: «لم أجد عملا عقب فصلى من شركة البترول سوى الالتحاق بالجيش، وهناك تم اتهامى بسرقة سلاح وتم سجنى 7 سنوات بدون محاكمة عادلة». يستطرد شعيب قائلا: «القذافى لم يرحم أحد، حتى جنوده الذين حاربوا فى تشاد، وأصيبوا بعاهات مستديمة، رفض دخولهم ليبيا ، وسبق أن أعدم 1200 سجين، وصب عليهم خرسانة مسلحة، ثم حاول دفع دية لذويهم لترضيتهم»، مضيفا: «كان لا يحب أن يرى من هو أفضل منه فإذا اخترع أحدهم جهازا دمره واعتقل صاحبه». الثورة لم تغير نظاما فحسب، بل غيرت الشباب الليبى نفسه، فجمال عبدالناصر، 26 سنة، من مدينة مصراتة، يصف حاله صبيحة دخول كتائب القذافى للمدينة، قائلا: «أنا شاب مدخن وحياتى طبيعية، وتدينى بسيط جدا لكنى عندما سمعت القذافى يقول لكتائبه كل ما فى مصراتة مباح لكم، ودعت حياتى الهادئة وقررت المواجهة»، موضحا أنه لم يكن يتخيل أن يحمل سلاحا ويدخل به جبهة قتال ضد إخوانه الليبيين. يتذكر عبدالناصر جيدا جامع الرحمات بمصراتة الذى استهدفته قوات القذافى ب 12 قذيفة لوقف صوت التكبير الذى يتردد من مئذنته، قائلا: «عندما تم أسر جنود القذافى سألناهم لماذا ضربتم المآذن، فقالوا لنا كنا نرى جنودا حولها»، موضحا: «كنا نستشعر بأن الله يحارب معنا». على الجانب الآخر من الباخرة ظل جابر محمد يحيى ممسكا بكاميراته متتبعا الطيور فى عرض البحر. محمد مهمته الثورية تمركزت فى «إجدابيا»، حيث انضم للمتطوعين لرش جثث الشهداء والضحايا حتى لا تنتشر الأمراض. هو يعمل باحثا فى وزارة البيئة، ومتخصص فى الطيور، يقول: «أنا حاليا منشغل بتتبع طريق الطيور عقب الثورة، خاصة طيور «الفلامنجو» وهى من الطيور المهاجرة المهددة بالانقراض، وكان من المفترض أن تستقر رحلتها بمنطقة البريقة، إلا أن ضرب النار والإزعاج قد يدفعها إلى تغيير مقرها إلى مناطق وبحيرات أخرى، وقد لا يشهد الشهر الجارى عودة الطير مرة أخرى».