شاء من شاء وأبى من أبى قامت الثورات، وانتفضت الشعوب العربية، وبدأ الربيع العربى يمنح البشر جميعاً العرب وغيرهم نسائم الربيع وميزاته الخاصة بعد خريف ما أطوله، وإن استهوى خريف العرب قوى عاندت وبالغت فى عندها ونسيت أن الجميع بشر، وأن ما يجمع البشر يفوق ما يفرقهم بمراحل، وأنه لا بد أن تعرف تلك القوى التى ما رأت فى بلاد العرب إلا تلك الثروات التى ما كان للعرب فيها دور يذكر سوى أنها ثروات طبيعية اجتهد العرب فى استغلالها والإسراف فيها، ونسى العرب بدورهم أن الثروة- وإن عظم قدرها ومقدارها- فمصيرها الفناء وأنهم لا بد أن يجعلوا منها مقوماً أساسياً لبناء حضارتهم ومواكبة التقدم البشرى بما ينميها ولا يستنزفها ونسى العربى بدوره متعة العمل واستبدلوا بها عمل المتعة ولذلك كان ما كان. حرصت تلك القوى على أن يكون للعرب قيمهم الخاصة، وكان ذلك إما بإرساء قيم معينة، وهى بالطبع قيم تخالف تلك القيم البشرية التى تحفظ للإنسان على كوكب الأرض وجوده والقيام بدوره كإنسان فى مواكبة ركب الإنسانية سريع التطور فغابت عنا قيمة العمل والعلم والعدل والتعاون، وسادت قيم الفهلوة والتخلف والجهل وحب الذات وشبع البطون وجوع العقول، والحديث عن ماض صرنا غير مستحقين لأمجاده، لأننا لا نملك سوى الحديث عنه. وجاءت تلك اللحظة التى رأت فيها الشعوب العربية أن حالهم لا يرضى، وأنهم كقطيع من حيوان روضته تلك القوى وسيطرت عليه وخلقت من الحواجز ما يحول بينهم وبين مستقبلهم، وأنهم لا بد أن ينتفضوا من سباتهم العميق، ويهدموا تلك الحواجز ويسقطوها، وأنهم لا بد أن يلحقوا بالركب لا محالة، فكانت ثوراتهم والتى ما خرجت إلا للمطالبة بتلك القيم البشرية التى تجمع البشر جميعاً بمختلف ألوانهم- قيم الحرية والعدالة والمساواة- وجد العربى أن له الحق فى أن يعيش حرًّا كريماً، رافضاً للظلم والاستبداد والطغيان. والآن جاء الدور على الثائرين الأمر الآن بأيديكم، فاغتنموا الفرصة والتى أقل ما يقال عنها إنها صعبة المنال بالزمن القريب، اجعلوا من ثوراتكم مشاعل نور تضيء لكم ظلام ماض دامس حال بينكم وبين مستقبل أفضل تأملونه، اعملوا وتعلموا واجتهدوا ابحثوا عن العلم أينما كان، تملكوا مقومات التحضر والتقدم، خذوا من ماضيكم ما يدفعكم للأمام، عانيتم ما عانيتم ورأيتم من الظلم ما كنتم لا تستحقون قدره والآن جاء دوركم.