"الثقة" من الموضوعات الشائكة التى قلما نجدها بين الناس فى هذا الزمان، فالثقة فى معناها هى صفة رائعة تنشأ بين الأفراد وتتولد نتيجة موقف أو عدة مواقف إيجابية تحدث، فتعكس نوعا من الارتياح والاطمئنان لدى شخص أو مجموعة أشخاص، والثقة أنواع فمنها الثقة بالنفس والثقة بالآخرين، والثقة بالله وهى أعظم أنواع الثقة، والتى لو تحققت بإيمان صادق وعقيدة قوية لتحققت ثقة الإنسان بنفسه، وكذلك ثقته فى الآخرين وثقتهم به. فالثقة بالله هى أمر عظيم قد نغفل عنه كثيراً فى حياتنا، لاسيما أن أغلبنا لم يتعلم حتى هذه اللحظة كيف يثق بالله؟ فما أعظم الثقة بالله، وما أجل ثمارها، وما أحوجنا اليوم إلى هذه الثقة لنعيد بها توازن الحياة التى انهارت من حولنا، وإذا أردنا أن نتدبر كيف وثق السابقون بالله فأمدهم بثقة فى أنفسهم وثقة الآخرين فيهم، فعلينا أن نتدبر فى الأمثلة التى وردت بالقرآن الكريم وسيرة الأنبياء والصحابة رضوان الله عليهم جميعا، تلك الأمثلة، التى ضربها الله لعباده للتدبر والتعلم والاستفادة منها، ولنبدأ بسيد الخلق وحبيب الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، عندما كان فى غار حراء هو ورفيقه سيدنا أبو بكر الصديق رضى الله عنه وأرضاه، وكان الكفار يقفون على باب الغار، فيقول أبو بكر للنبى صلى الله عليه وسلم "لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا "فيرد النبى بنبرة الواثق فى الله ويقول له يا أبا بكر ماظنك فى اثنثن الله ثالثهما: إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِى اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِى الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [سورة التوبة: آية 40] لو تدبرنا هذه الآية جيدا لوجدنا مدى ثقة الرسول صلى الله عليه وسلم فى ربه وثقته بأن النصر من عنده فكانت نتيجة هذه الثقة سكينة واطمئنان أنزله الله على قلب نبيه ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أيد الله نبيه بجنود الخفاء من الملائكة تؤازره وتقف إلى جواره وهذه هى نتيجة الثقة بالله والتوكل على الله، فالثقة بالله تعطى للإنسان الثقة بنفسه وثقة الآخرين به – ولنتذكر معا قصة سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء عليه وعلى نبينا أفضل السلام مع الملك الطاغية "النمرود" فعندما ألقى سيدنا إبراهيم فى النار، لم يخف ولم ترتعد فرائسه لأنه كان واثقا فى أن الله لن يتركه ولن يخذله أبدًا فقال بعزة الواثق بالله "حسبنا الله ونعم الوكيل" فجاء الأمر الإلهى ردا طبيعيا على ثقة إبراهيم بربه القدير القوى " يا نار كونى برداً وسلاماً على إبراهيم" فتصير النار بأمر من يقول للشىء "كن فيكون. "بردا وسلاما على نبى الله وخليله فلو قال الله يانار كونى بردا على إبراهيم لمات إبراهيم من شدة البرد، ولكنه أراد حفظ إبراهيم من حرارة النيران وكذلك من شدة البروده التى ستكون عليها النار بالأمر الإلهى "كونى بردا " فكانت بردا يطيقة أبو الأنبياء ليخرج سالما دون أذى - الأمثلة كثيرة ولنأخذ منها العبر والثقة بالله فهذه هى السيدة هاجر التى تركها زوجها سيدنا إبراهيم هى ورضيعها سيدنا إسماعيل فى واد غير ذى زرع فى صحراء قاحلة وشمس ملتهبة ووحشة وهى تسأله يا إبراهيم لمن تتركنا ؟! قالتها وهى فى داخلها ثقة بالله ربها ورب إبراهيم لكنها قالتها فقط لتسمع من زوجها إبراهيم كلمة يطمئن بها قلبها فلما علمت أنه أمر إلهى قالت بعزة الواثق بالله "إذا لن يضيعنا" ماأعظم هذه الثقة بالله، فما كان من الله نتيجة ثقة السيدة هاجر واطمئنانها بأن الله لن يضيعها هى ووليدها أن فجر لها ماء زمزم وخلد سعيها .. ولو أنها جزعت وهرعت لما تنعمنا اليوم ببركة ماء زمزم. هذا مثال أخر أسوقه لنتعلم كيف نثق بالله فلنتامل فى أولئك القوم الذين قيل لهم "إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم".. ولكن ثقتهم بالله أكبر من قوة أعدائهم وعدتهم .. فقالوا بعزة الواثق بالله "حسبنا الله ونعم الوكيل، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء" الثقة بالله يجب ان تعود من جديد حتى نذوق حلاوتها فما أجمل أن تجدها فى ذلك المهموم الذى هام على وجهه متوسلا إلى الله فى نفسه مناجيا الله بعزة الواثق بالله أن يقضى دينه أو يحمل عنه شيئاً من عبئه فيجد الله إلى جواره ملبيا دعوة الداع له، إن الثقة بالله تجدها فى ذلك الذى مشى شامخاً معتزاً بدينه هامته فى السماء بين قوم طأطأوا رؤوسهم يخشون كلام الناس، الثقة بالله فى كل الأمور وأولها أن الله هو الرزاق فلا يخشى واثق بالله أن رزق الله لن يأتيه ولكن بشرط السعى من اجل الحصول على هذا الرزق فقد صدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عندما قال " لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم مثل الطير تغدو خماصا وتعود بطانا " ومعنى حق توكله هى أن يكون لديك الثقة بالله فى أنه سيرزقك، ولكن عليك أن تكون كالطير تخرج فى الصباح جائعة خاوية بطونها ولكنها واثقة فى خالقها أنه سيرزقها فتعود بثقة الله مليئة البطون، أخى فى الله يجب أن تمتد ثقتك بالله فى أن أحدا لايمكن أن يصيبك بضرر أو بنفع مهما بلغت قوته أو منصبه إلا إذا أراد الله لك هذا الضرر أو هذا النفع مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم "قل لو اجتمع الإنس والجن على أن ينفعوك بشىء لن ينفعوك بشئ إلا بشئ قد كتبه الله لك، ولو إجتمع الجن والإنس على أن يضروك بشئ لن يضروك بشىء إلا بشىء قد كتبه الله عليك – إن الواثقين بالله هم الأعلون دائما لأنهم بإيمان المتوكل وضعوا ثقتهم بالله فلم يضيعهم، أليس من العقل والحكمة أن نتعلم كيف نثق بالله لنذوق حلاوة هذه الثقة ونحظى بمنزلة الواثقين بالله.