اعتبرت صحيفة لوموند الفرنسية، أن النظام السورى يبدع فى تنويع أدواره، وذلك بإظهار نفسه ضروريا للتوازن الداخلى والإقليمى. وترى الصحيفة فى مقال لها، أن الرئيس بشار الأسد قضى السنوات العشر الأولى من حكمه فى لعب دور المقاوم للمشاريع الإسرائيلية، وبطل رفض تدخلات الإمبريالية الجديدة، والناطق باسم الكرامة العربية، وحامى الفلسطينيين الذى يطمح لإعادة حقوقهم، كما يسعى لإثبات خطأ واشنطن فى قلقها على المسيحيين، وذلك بحرصه على الظهور بمظهر حامى الأقليات. وأوضحت لوموند، أن الأكاديميين والبرلمانيين الغربيين يجدون دائما طقوسا فى اللقاءات التى يحضرونها، وتتمثل فى شخصيات دينية مسلمة ومسيحية يتم اختيارها بعناية. وقالت الصحيفة إن حقيقة حماية النظام السورى للأقليات لا تحتاج وقتا كبيرا حتى تنجلى لأولئك الذين يغمضون أعينهم عن مجازر الأجهزة الأمنية السورية ضد عموم أفراد الشعب يوميا، وهم يقولون إن هذا النظام هو من يضمن حقوق المسيحيين ليس فى سوريا فحسب، بل فى كامل الشرق الأوسط، كما أنهم ينسون أن معظم الضحايا من أغلبية السكان، وهم المسلمون السنة. وقالت الصحيفة إن المثير هو "أن مسئولا، مثل النائب اللبنانى نبيل نقولا المقرب من ميشال عون، أعلن يوم 23 مايو الماضى على قناة المنار التابعة لحزب الله أن سقوط النظام السورى يعنى إبادة الأقليات فى المنطقة". لكن نقول لم يقل ضد من يحمى النظام السورى هذه الأقليات ويضمن مستقبلها، فإذا كان هذا العدو هو الإخوان المسلمون فيجب أن نعلم أنهم ليسوا بالقوة المخيفة، فهم محكوم عليهم بالإعدام منذ عام 1980، كما أن رهان القوة الذى دخلوا فيه مع النظام انتهى بتخليهم عن العنف، ومهما يكن الأمر فإن الاحتجاجات فى سوريا أثبتت أنهم ليسوا هم من أطلقها، بل أيدوها ودعموها فقط، وهم لا يتحكمون فيها ولا يوجهونها، كما أن حضورهم فى الاحتجاجات ليس كبيرا. وأوضحت الصحيفة أن ما يخيف أصدقاء النظام السورى هو سقوط الأسد، وهو من الأقلية العلوية التى أحاطت نفسها بحزام أمنى لمواجهة الأغلبية المحرومة من أى حق سياسى، والقضية ليست دينية أبدا، بل كان الدين مجرد أداة فقط. وخلافا لدعاية النظام، لا يوجد أى توجه لطرد المسيحيين إلى بيروت، أو وضع العلويين فى الأكفان أو إبادة الإسماعيليين أو استئصال الدروز والبهائيين واليزيديين، بل العكس هو الصحيح، ففى عموم الأقليات والأغلبية السنية المهمشة يوجد توجه للوصول إلى نظام لا يعتمد الإقصاء. واعتبرت الصحيفة أن حافظ الأسد مثل بشار الأسد اعتمد منطق الأقليات لصف التأييد للنظام، واستخدما وسائل كثيرة منها الأيديولوجيا لفئة، والإغراءات المادية لفئة أخرى، وتحقيق الطموح لفئة ثالثة، إضافة إلى التشكيك بل ترهيب الأقليات من الأغلبية السنية التى تمثل نحو 80% من السكان، وجعلا منها بعبعا لتخويف باقى الأقليات، وهذا خاصة فى السبعينيات وبداية الثمانينيات، واشتغلت دعاية النظام على مواجهة أى انفتاح سياسى على الإخوان المسلمين قد يوصلهم إلى السلطة، فتم تصويرهم بالمتعصبين والدمويين والرجعيين وخونة بلادهم وعملاء الغرب. وأشارت الصحيفة إلى أن النظام الذى يزعم الدفاع عن الأقليات يعمد إلى اضطهادها، فالآشوريون ومعهم السريانيون والكلدانيون، ويبلغون مليون نسمة، مضطهدون مثل الأكراد، كما أن الأرمن والشركس يتهمون بالانفصالية عندما يطالبون بحقوقهم، فلا حق لهم فى التكلم بلغتهم ولا تعليمها ولا استخدامها فى أى مجال، حتى فى العبادة! وهكذا لا تكون ورقة حماية الأقليات سوى ذريعة لاستمرار تشديد القبضة على السلطة، وتخويف الأقليات، ثم ادعاء حمايتها.