طيب ومن إمتى مصر مكنتش حلوة.. طول عمرها وفى عز أزمانها ومن أيام قسوة مستعمريها كانت حلوة. طيب ممكن حضرتك تسألنى بأقول: امتى حتبقى مصر حلوة ليه؟ الإجابة التى لدىّ هى التى لدى حضرتك، كثيرون يقولون الآن لا، دى مش مصر، وفى نفس الوقت يقولون إن الأيام الحلوة كانت أيام الثورة، التى أعتبرها من أجمل أيام العمر لمصر، الناس إياها كانت أكثر سعادة، وأكثر تفاؤلاً، وكانت مملوءة بالأحلام الوردية. ولكن السؤال المحرج الآن: هل هذا هو الحادث الآن؟ البعض يقول آه.. والبعض يقول لأ. صحيح ناس مش مبسوطة، ولكنه يكفى أنهم يعيشون فى وطن حلو، مش اللى بنى مصر فى الأصل حلوانى.. ومن فضلكم دلونى من قائل هذا الكلام وما هى أسبابه؟ وهل حكاية الكنافة والقطايف أيام الفاطميين هى السبب؟ مصر بلد لها طعم خاص وذوق ولون خاص، يكفى القاهرة التى تغير ملابسها فى اليوم أكثر من مرة، تماماً كالعرائس فى أفراح زمان اللاتى كن يغيرن أكثر من فستان طوال ساعات الخطبة أو كتب الكتاب. فى البداية لها طعم ومع طلوع الشمس طعم آخر، ساعات الظهيرة طعم تانى، هى تلبس ملابس العمال والفلاحين فى الصباح الباكر، ومن الظهيرة ملابسها كاجوال، وفى أواخر الليل ترتدى ملابس السهر، طيب بذمة حضراتكم هل توجد مدينة عايشة بالشكل ده.. طبعاً لأ.. القاهرة فقط. حضرات القراء إذن الثورة زادت مصر حلاوة على حلاوة، أسرت قلوب شعوب وزعماء العالم، عمرى ما سمعت إن هناك ثورة فى العالم رومانسية إلا ثورة مصر، الشعب أراد إسقاط النظام وأسقطه، ولكنه لم يعرف ماذا بعد؟ إشكالية كيف نقيم نظاماً جديداً ما زالت لم تحل، إشكالية شكل الدولة الجديدة سر لم يصل له أحد. المشكلة أن لدينا طليعة الثورة شباب مصر الرائع، الذى لم تساعده خبراته على معرفة المسار الصحيح، زد على ذلك عدم وجود قيادة تقلل من فاعلية الثورة، فعلينا أن نعرف أنه لا يمكن لشعب أن ينتصر دون وجود قائد وهو الذى لم نجده حتى الآن. لدينا شعب يعانى من الفقر والجوع، والبطون الفارغة، وعلينا أن نعلم أنه لا يمكن لأى شعب أن ينتصر والبطون خاوية. عزيزى القارئ علينا أن نعترف بأن مصر ليست فى كامل حلاوتها، هى فى ربع أو نصف حلاوتها وهذا صحيح. طيب كيف تعود لها حلاوتها وجمالها وطلتها. ستعود فقط لو سلم المسؤولون جزءا من تركة الحكم لهؤلاء الشباب، أكيد سيكون لها شكل تانى ولو رأينا نصف وزراء ومحافظى مصر من الشباب سنجد وطناً مملوءاً بالحيوية والحياة والطهارة والنقاء. وما زلت حتى الآن أتعجب لماذا لم يرفع المتظاهرون فى التحرير شعاراً مثل «الشعب يريد الشباب». مصر ستعود لها حلاوتها لو بطلنا العصبية، نحن فعلاً أصبحنا أكثر عصبية بعد الثورة، قد يكون سببها أننا نريد نتائج سريعة، لقد شربنا شربات نجاح الثورة ولكننا طماعين نريد أن نشرب أكثر، فالعطشان لا يرتوى بسهولة وهذا هو حالنا الآن. العصبية من صدمة عدم وجود تغيير ملموس سقط رأس النظام وبقيته لم تسقط، لم نلمس أحدا يتحدث فى المستقبل، فقط صراع سياسى مكتوم ومعلن بين سياسيين معتقين وجدد يدوبك فى أول الطريق. العدالة الاجتماعية أصبحت وزارة ولكن دون مضمون، المساواة بين الجميع لم نرها حتى الآن، حقوق المواطن المصرى اختصرناها فى جمعيات ومجلس شبه حكومى ولجان تقصى حقائق لا تسمن ولا تغنى من جوع، ما زال التمييز واضحاً بسبب الدين، قانون الانتخابات الذى يعطى حق الانتخاب النظيف ما زال يتراقص. مصر حتبقى حلوة فعلاً عندما يكون حجم تأثير الناس على الحكومة يساوى حكم الديمقراطية الجديدة. مصر تبقى حلوة عندما تحترم فى قسم الشرطة، وعندما تجد سريراً فى المستشفى، وعندما تجد رغيف عيش نظيفا ودون معاناة، وعندما تصلك أنبوبة البوتاجاز، وأنت جالس رجل على رجل، والأهم عندما نحترم بعضنا البعض. وممكن تكون أحلى وأحلى لو عثرنا على قائد له حلم وله رؤية، وعندما يقتنع أن الشعب هو السيد وأن سيادته هو الخادم.