اعتدت رؤية اللواء إسماعيل الشاعر، مدير أمن القاهرة السابق، كل صباح، فقد كنت أذهب إلى عملى من المعادى إلى وسط القاهرة، فى نفس التوقيت الذى ينزل فيه من بيته فى المعادى أيضا إلى مديرية أمن القاهرة فى شارع بورسعيد. يستقل الشاعر سيارة مدير أمن القاهرة، ويجلس إلى جوار السائق، وليس فى المقعد الخلفى، ولا تسبقه أو تسير خلفه حراسة، كما هو معتاد من مديرى الأمن الآخرين. وفى الطريق يتوقف الشاعر بسيارته أكثر من مرة، وينزل إلى الشارع، يتحدث مع جنود الشرطة والمواطنين، يستمع إليهم، ويحل مشاكلهم، المتعلقة بالتعامل مع الشرطة. هكذا عرفت إسماعيل الشاعر فى الشارع، وليس أكثر من ذلك، وظللت لسنوات أرى هذا المشهد كل يوم، حتى اختفى الشاعر، وألقى القبض عليه، وسجن فى سجن طره، وأحيل للمحاكمة بتهمة قتل المتظاهرين فى 28 يناير. خلال التحقيقات مع إسماعيل الشاعر قدم أوامره الصادرة إلى ضباط مديرية أمن القاهرة، بعدم النزول إلى الشارع يوم 28 يناير بسلاحهم، فقد أصدر إسماعيل الشاعر تعليمات لضباط ورجال الشرطة فى محافظة القاهرة بالخروج يوم الجمعة بدون سلاح وترك السلاح الشخصى فى مكان العمل. تسلمت النيابة هذه الأوامر، وشهد ضباط شرطة وآخرون، وقدمت تسجيلات نجدة القاهرة فى ذلك اليوم، وهى لا تحوى أى تعليمات بضرب النار، بل بضرورة ضبط النفس، ومع ذلك أحيل الشاعر إلى القضاء بتهمة قتل المتظاهرين. شاهدت إسماعيل الشاعر فى القفص فى محاكمة مبارك، ليس هو الشاعر الذى كنت أراه فى الشارع كل يوم، ويعتقد محاموه أنه برىء من التهم المنسوبة إليه، لكن هناك اعتقاد سائد لدى البعض بأن معظم المتهمين فى هذه القضايا سيأخذون أحكاما عنيفة فى أول محاكمة، لكنهم سيحصلون على البراءة أو أحكام مخففة فى النقض، لأن أوراق القضايا المحالة إلى القضاء مهلهلة، وأدلة الثبوت غير مثبتة، ومن الصعب وفقا للقانون إصدار أحكام إدانة فى قضايا قتل على الشيوع، لا يعرف فيها من أطلق النار، ولا يوجد دليل واضح وثابت على من أصدر الأوامر بإطلاق النيران.