تسبب المستشار «السابق» محمد عبدالعزيز الجندى وزير العدل فى حدوث أزمة بين وزارة العدل وقضاة مصر، عندما أحال شكوى مقدمة من إدارة الادعاء العسكرى بوزارة الدفاع ضد المستشارين حسن النجار رئيس محكمة الاستئناف ورئيس نادى قضاة الزقازيق وعلاء شوقى رئيس محكمة استئناف الجيزة إلى إدارة التفتيش القضائى، التى قامت بدورها باستدعائهما يوم الأحد قبل الماضى «29 مايو» وأخضعتهما للتحقيق عدة ساعات، بعد أن وجهت لهما «تهمة» الظهور أمام وسائل الإعلام والإدلاء بتصريحات دون الحصول على تصريح لذلك من مجلس القضاء الأعلى، وإهانة القضاء العسكرى فى حديث لقناة الجزيرة «حسب ما ورد فى مذكرة المدعى العام العسكرى». وجاء رد الفعل قويا ورافضا من قضاة مصر. فعقد قضاة تيار الاستقلال اجتماعا يوم 1 يونيو أعلنوا فيه رفضهم التحقيق مع مستشارين من «إدارة فاقدة لشرعيتها»، أنشأها وزير العدل السابق - ممدوح مرعى - بالمخالفة لنصوص قانون السلطة القضائية ويرأسها مدير معين من قبله حتى الآن، رغم سقوط رؤوس هذا النظام المقيت. ووجهت الجمعية العمومية لنادى قضاة الزقازيق رسالة واضحة لوزير العدل، وبحضور عديد من قضاة مصر من جميع المحافظات فأعادت انتخاب المستشار حسن النجار رئيسا للنادى بأغلبية 217 صوتا مقابل 89 صوتا لمنافسه، وأصدرت بيانا دعت فيه إلى «وجوب رد الاعتبار والاعتذار للمستشار حسن النجار بسبب إحالته للتفتيش القضائى» و«التعجيل بنقل تبعية التفتيش القضائى إلى مجلس القضاء الأعلى. وكان قضاة مصر قد طالبوا فى مؤتمر العدالة الأول 1986 بإصدار قانون جديد للسلطة القضائية يحقق استقلالها وحددوا مبادئه، وكرروا المطالبة بهذا القانون فى الجمعيات العمومية المتتالية لنادى القضاة منذ عام 1991، ثم أتموا صياغة مشروع جديد للسلطة القضائية وبعثوا به إلى وزارة العدل فى مايو 2005 مطالبين بعرضه على مجلس الوزارء لإقراره والتقدم به لمجلس الشعب وإصداره. وأعادوا التأكيد فى الجمعية العمومية لقضاة مصر التى انعقدت يوم 2 سبتمبر 2005 على ضرورة الإسراع بإصدار القانون، والذى تضمن تحديد موازنة مستقلة للسلطة القضائية يتولى مجلس القضاء الأعلى «المنتخب» تحديد أولوياتها وبنود اتفاقها، واختيار اعضاء مجلس القضاء الأعلى بالانتخاب من الجميعة العمومية لمحكمة النقض ومحكمة استئناف القاهرة، ونقل تبعية التفتيش القضائى من وزارة العدل إلى مجلس القضاء الأعلى «المنتخب» ورفع يد وزارة العدل والسلطة التنفيذية عن القضاء. وأصدر نادى القضاة بيانا فى أكتوير 2005 عقب اجتماع مجلس إدارته بحضور 150 من القضاة، اعترض فيه على تلاعب الحكومة ومجلس القضاء الأعلى «المعين» الذى امتنع من إبداء رأيه فى مشروع قانون السلطة القضائية الذى صاغته الجمعية العمومية لقضاة مصر والمطروح عليه منذ شهر مايو، وأشار البيان إلى إصرار القضاة على مطالبهم فى شأن الفصل بين سلطتى الاتهام والتحقيق، وإلغاء جميع صور القضاء الاستثنائى والقوانين الاستثنائية والحبس الاحتياطى لتتلاءم التشريعات جميعا مع الدستور ولتتلاءم أيضا مع كرامة الإنسان والوعود بالإصلاح. وإذا كان إصرار السلطة القائمة فى هذا الوقت على تجاهل استقلال القضاء وعدم الاستجابة لمطالب القضاة المشروعة ومحاولاتها المتكررة للعدوان على نادى القضاة والتنكيل بقضاة تيار الاستقلال أمرا مفهوما ومتوقعا فى ظل نظام الاستبداد القائم فمن غير المقبول أن تستمر هذه السياسة بعد ثورة 25 يناير وعلى يد حكومة تنسب لهذه الثورة. ورغم أن الأزمة فى طريقها للحل بعد قرار وزير العدل إحالة ملف التحقيقات مع المستشارين حسن النجار وعلاء شوقى إلى مجلس القضاء الأعلى والبيان الذى أصدره المستشار سرى صيام رئيس محكمة النقض ورئيس مجلس القضاء الأعلى.. فالخطوة المطلوبة الآن هى المبادرة لإصدار القانون الجديد لاستقلال القضاء والذى صاغه القضاة أنفسهم، فلا يكفى أن يكون لدينا قضاة مستقلون بل من الضرورى أن يكون لدينا قضاء مستقل.