أنحنى احتراما وتقديرا لقلم الأستاذ الكبير فهمى هويدى، وليس عيبا أن أقول إننى غالبا ما أقرأ جريدة الشروق "من الخلف" تلهفا على ما يكتبه الأستاذ، وإعجابى به يزداد كلما مارس موهبته العبقرية فى قص ولزق المقالات والأخبار والتحقيقات والحوارات من الصحف المحلية والعالمية ليستخرج صورة جديدة قد تخفى على أمثالى، وإعجابى هذا هو ما جعلنى أضرب كفا على كف حينما قرأت مقاله المعنون ب"تدليس إعلامى" الاثنين 30 مايو بالصفحة الأخيرة من الشروق، وقد ظننت أن الأستاذ سيتناول فضيحة موقع الإخوان المسلمين الذى سار على درب أنس الفقى وادعى فشل مظاهرة الجمعة الماضى، مخترعا صورة يبدو فيها ميدان التحرير خاليا إلا من بعض المارة، وتماديت فى تخيلاتى حينما خمنت مزهوا بنفسى أن الأستاذ سيستشهد بكلام الأستاذ عصام العريان فى نقده للسياسة التحريرية المضللة التى انتهجها الموقع، خاصة أنه قال كما نشرت "الشروق" الأحد الماضى إن التغطية كانت سيئة وبعيدة عن المهنية، وتماديت أكثر وأكثر حينما ظننت أن الأستاذ سيشد أذن القائمين على الموقع وقيادات الجماعة بالمرة تعنيفا على هذا الخطأ المهنى الجسيم، ورصيد الأستاذ لديهم يسمح بشدة أذن وضربه كفا إن لزم الأمر، هذا كان ظنى، لكن الأستاذ أثبت لى أن بعض الظن إثم. افتتح الأستاذ مقاله كالعادة باستعراض ما نشرته الصحف، وانتهى إلى نتيجة تؤكد أن كل الصحف المصرية كاذبة، فيما يتعلق بتغطية المظاهرة المليونية ليوم الجمعة الماضى، وبرر ذلك بعداء ملاك هذه الصحف للإسلاميين الذين رفضوا أن يشاركوا فى المليونية، مدعيا أن كلا من صلاح دياب، مالك جريدة المصرى اليوم، ونجيب ساويرس مالك قناة أون تى فى، تماديا فى غيهما ودلسا على القارئ، كل هذا لأن المصرى اليوم وأون تى فى قالا إن الشعب طالب فى التحرير بإصدار الدستور أولا، وتأجيل الانتخابات التشريعية، وتشكيل مجلس رئاسى مدنى وأكدا أن المظاهرة كانت حاشدة وبها مئات الآلاف، فى حين أن الصورة التى رسمتها جريدة الحياة اللندنية ركزت على مطالب أخرى متعلقة بمحاكمة الرئيس السابق وتصفية رموز الفساد، وأن عدد المتظاهرين كانوا ثلاثة آلاف، مؤكدا أن الحياة كانت أصدق وأن هناك أكثر من شخص ادعوا أنهم كانوا فى ميدان التحرير أكدوا له هذا، فتأكد الأستاذ من كذب كل الصحف المصرية بناء على رأى الناس الذين "قالوله". لا ألوم الأستاذ على رأيه، لكن أتعجب كيف يكتب هذا وصور ميدان التحرير فى كل مكان، والصورة تؤكد أن الذين كانوا فى التحرير تخطوا الرقم المذكور فى الحياة بكثير إن لم يكن حدث خطأ مطبعى وكتبت الحياة ثلاثة آلاف بدلا من أن تكتب ثلثمائة ألف، وأقرب الظن أن الأستاذ ضُلل وأن الذين سألهم وقالوا له لم يكونوا فى ميدان التحرير ولا حتى ميدان رمسيس والأقرب أنهم كانوا فى ميدان المنيل، البعيد قلبا وقالبا عن مظاهرة التحرير. لا أريد أن أخون الأستاذ ولا أنتهج نفس نهجه المعتمد أساسا على نظرية المؤامرة، ولكن لو اتبعنا نفس النظرية سنتأكد من أن جريدة الحياة التى يعتمد عليها ويصدقها ليدحض افتراءات النخبة الثقافية تتبع دولة السعودية، ولا يحتاج الواحد منا إلى ذكاء كبير ليتأكد من أن هذه الدولة تعادى الثورة المصرية وتغذى التيارات الدينية بكل ما يشعل المجتمع المصرى، والود ودها لو انهارت ثورة مصر وانهار معها ثوارها وبقى لها من يتواصلون معها وتتواصل معهم، لكنى لا أحب هذه الطريقة فى التفكير، وأظن أن من كتب تقرير الحياة استعجل فى الكتابة لإرسال المادة إلى لندن وحجز مساحة لائقة بمظاهرة مصر، ولم يتمكن من مشاهدة مئات الآلاف وهى تطوف فى الميدان صائحة "الجدع جدع والإخوان إخوان" بعدما كانوا يهتفون أيام الثورة "الجدع جدع والجبان جبان" أو وهم يقولون "الإخوان فين الميدان أهوه"، أو حتى وهم يقولون "الميدان مليان مليان ولا سلفية ولا إخوان، وأتعجب كيف يسأل الأستاذ هؤلاء الأشرار الذين "قالوله" كلاما مغلوطا وبجانبه فى الجريدة كتاب محترمون مثل عمرو حمزاوى وعماد الدين حسين ووائل قنديل شاهدوا ما حدث فى التحرير بأم أعينهم، وكتبوا مقالات تؤكد ما شاهدوه، لكنى على أية حال أعذر الأستاذ على ما كتبه لأنه وقع تحت تضليل متعمد من أشخاص غير مسئولين، وتم التدليس عليه استغلالا لعدم حضور الأستاذ لمظاهرة الجمعة الماضية ليرى بعينه، وظنا منهم أن سبب عدم نزول الأستاذ إلى التحرير هو رفضه لتلك المظاهرة، وليس كبر سنه، ولو كنت مكان الأستاذ لقاطعت هؤلاء الأشرار لأنهم أوقعوه فى مغالطة كبيرة حينما "قالوله".