هذا موجز مكثف لأبواب طوال فى فقهنا حول زواج الصغيرة والرضيعة، وهى شئون فى زمانها كانت وفى مكانها كانت مستساغة، لأنها كانت عرفاً اجتماعياً مسنوناً لا يستدعى الاستهجان بالمرة، ولم يبدأ التباعد عن نكاح الصغيرة فى بلادنا إلا بعد وفود أنظمة الدولة المدنية عن دول الغرب، وسن القوانين بما يضمن سلامة الأسرة والمجتمع فى ظرف جديد وزمن بعيد الشقة سحيق عن تلك الأزمان، والأولى بدلاً من إسقاط ذائقتنا الحديثة على الماضى، ومحاولة إثبات أن عائشة كانت بالغة الرشد عند الزواج بها، أن نعترف بهدوء أن هذا هو شرعنا، وأنه شرع توائم مع زمنه ومكانه، وأنه ليس جميلاً ولا قبيحاً ولا ذميماً، لأنه لم يكن كذلك بعيون أهل زمانه وفقهائه وعلمائه وحكمائه، وهم خلاصة الأمة فى ذلك الزمان، ولم يروا فيه أى عوار. كل ما نستطيع أن نصفه به اليوم أنه كان لوناً بدائياً على طريق الإنسان الطويل نحو الرقى الأخلاقى، لكنه لا يشين مجتمعه ولا زمانه ولا مكانه بالمرة، الصواب هو أن نؤمن ونصدق، لكن فى الوقت نفسه ألا نتصور أن أنظمة وطرق العيش زمن النبوة صالحة لكل زمان ومكان، فهذا هو العوار نفسه والخطل ذاته والخطب مجسداً، فلا يقول بصلاحية شئ لكل زمان ومكان سوى معيوب العقل والنظر والبصر والبصيرة. وهو أمر لم يقل به من كل شعوب الدنيا سوانا، وكلها شعوب تؤمن بإديانها، لكنها أحالت ما هو صالح لزمانه إلى زمانه وما هو صالح لمكانه إلى مكانه، ولم تعطه مطلق الصلاحية كما نفعل اليوم إيماناً بشمولية الإسلام التى كرسها لنا الإرهابى الأمثل حسن البنا، كرسها كى يتمكنوا ضمن ما سيحوزون من كرامة وسلطان، من السطو على بناتنا وهتك أعراض أطفالنا. إن شرط الولى لزواج المرأة هو ما سمح بكل هذا حتى زواج الرضيعة، وهو الشرط المستمر إلى اليوم ويخلع عن المرأة أية أهلية، إذ هى لا تملك الولاية على نفسها ولا على غيرها، رغم أن اليوم غير الأمس، ورغم ذلك لايزال الأمس مائلاً بل وفاعلاً فى بلادنا، أما اليوم وظروفه فهو ما لم يأتنا بعد إلى بلادنا. إليكم هذه الأخبار الطازجة التى تتواكب زمانياً مع بحث الأستاذ بحيرى وتهليل الأستاذ البنا اللذين أرادا باجتهاد لطيف إيقاف تزويج الصغيرة بإنكار تزوج عائشة فى التاسعة، لكن عبر مرتقى وعر متشعب المدخلات، فأدى للمتاهة مع غض الطرف عن فقه كامل بشأن زواج الصغيرة هذه الأخبار نشرت فى شهر أغسطس الذى نحن فيه الآن. كتبت صحيفة عكاظ بتاريخ 11/ 8/ 200: "العروس تبلغ ثمان سنوات والعريس خمسينى وله زوجتين"، وأن ذلك الزواج قد تم مقابل سداد الزوج لديون والد الفتاة". وقبله بأيام رضخ شيخ سبعينى فى مدينة حائل للضغوط كى يؤجل الدخول بزوجته الطفلة (10 سنوات) لمدة خمس سنوات أخرى (عكاظ 11/8/2008) . وبعد 5 أيام رفض سعودى خمسينى التراجع عن قراره بالزواج من طفلة فى الثامنة من عمرها، مشدداً على أنه لا يرتكب محرماً، وكان قد تزوجها وهى فى السادسة، وقال لصحيفة الحياة اللندنية فى 3/8/2008، أن الشرع لم يحدد عمراً للزواج والرسول تزوج عائشة وعمرها تسعة أعوام . بينما كان كل مأخذ المحامى على مأذون الأنكحة، أنه أخلّ باللوائح فقد حرر العقد فى مدينة بريدة، بينما هو من سكان عنيزة!!!!. أرأيتم أين المصيبة؟، ومن بريدة لعنيزة يا قلب احزن. وفى عكاظ أيضاَ بتاريخ 15/8/2008 حاولت المراهقة السعودية شيخة الانتحار ليلة زفافها، بعد أن زوجها والدها لعجوز عمره 75 عاماً مقابل أن يتزوج الأب من ابنة العريس وعمرها 13 عاماً، ولأن هذا البدل لون من الشغار، فقد اعتبره الشيخ عبد المحسن العبيكان باطلاً، وليس لأى سبب يتعلق بسن الزوجين أو مدى أهلية الأب للولاية وهو بيع جسد بنته رخيصاً من أجل أن ينال حظه بنهش لحم طفلة صغيرة غير ابنته. وفى الطائف كتب عبد الرازق الزهرانى عن رشا التى تربت (بعد هروب والدها وزواج أمها) فى حضن جدتها لأمها، وفوجئت بأن أبيها الذى لم تره فى حياتها قد زوجها وهى فى العاشرة بشيخ فى الستين مقابل 30.000 ريال. وقد أصر الزوج على استعادة ماله كى يطلقها، فتبرعت الأميرة جوهرة آل سعود بالمبلغ، لكن الإداريين (وحماة حمى الإسلام) يعضون على شرعهم بالنواجذ وكذلك القضاة، يسوفون ويماطلون ويؤجلون ويحفظون القضية ليعاد فتحها من جديد، وهكذا دواليك دون أن تتحرر رشا من عقد بيعها. ويعتمد هؤلاء الآباء الوحوش فى زمن نتحدث فيه عن حقوق المرأة وحقوق الطفل فى بلادنا الوحشية، على شرط الولاية الذى آن لنا أن ننظر فيه بجدية لنعتق المرأة من عبوديتها التاريخية البشعة. يدرس أبناؤنا بالمعاهد الأزهرية شروط الزواج فى روض المربع ص 382، إذ يقول: "الشرط الثالث: الولى، لقوله عليه السلام: لا نكاح إلا بولى، رواه الخمسة إلا النسائى، وشرط الولى التكليف والذكورية، لأن المرأة لا ولاية لها على نفسها، ففى غيرها أولى. والحرية لأن العبد لا ولاية له على نفسه ففى غيره أولى، والرشد فى العقد (المقصود رشد الولى)، واتفاق الدين فلا ولاية لكافر على مسلمة ولا لنصرانى على مجوسية لعدم التوارث بينهما، والسلطان يزوج من لا ولى لها، فلا تزوج المرأة نفسها ولا غيرها. وأحق العصبات بعد الأخوة بالميراث أحقهم بالولاية، وولى الأمة سيدها لو كان فاسقاً".