لا ينكر أحدنا ما كان يبثه اسم أمن الدولة فى النفوس من رعب وتخوف وتوجس، إلا من رحم ربى ممن لا يخافون فى الله لومة لائم، وقد كان يذكرنا بالأفلام القديمة جداً مثل دراكولا، والمشهور بأفلام مصاصى الدماء، غير أن دراكولا كان من صنع الخيال السينمائى الدرامى الذى طغى فى حقبة الخمسينات والستينات من القرن العشرين، حتى صار من باب التسلية أو الخوف المسلى إلى أن اعتاده مشاهدو السينما، فعفى عليه الزمن وتبدل الخوف من دراكولا بمخاوف أخرى تحاكى قلق العصر كحرب الفضاء أو حرب النجوم إلى أن رأينا وعايشنا مخاوف حقيقية أكثر رعباً من دراكولا وحرب النجوم مثل: التسونامى والزلازل والأعاصير ما لا يقوى عليه. أعنى قوى البشر ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً، ويجىء أمن الدولة فى تاريخنا المصرى المعاصر، خاصة فى الحقبة الثلاثينية والتى ولت بغير رجعة ليبسط بيننا قلقاً وخوفاً أفزع الشباب، ففتن ودفع بعضهم حياته ثمناً للهجرة إلى إيطاليا على سبيل المثال لا الحصر، فمات غرقاً فى الوصول إليها! كان أمن الدولة نصب عينيه المتدينون، وأصحاب الدعوة إلى الله، واعتقل الكثيرين، وفتن القليل من الصالحين الشباب حتى تواروا عن الناس مهابة الاعتقال! فكان أمن الدولة بمثابة العصا التى أمسك بها الحاكم، عصا غليظة لا نراها بيديه، ولا من حوله ولا من أمامه، ولكن بيد رجال شرطته فقط، الذين طغوا وتجبروا إلى أن فقدت الشرطة وظيفتها فى إتاحة الأمن لنا كشعب، إلى إتاحة الأمن للحاكم وبطانته وولد الفساد، ونما وترعرع وسالت أموالنا إلى خزائن الحاكم وبطانته وكسى اللون الأصفر الباهت خطط التنمية، وعليه افتقد شبابنا طموحاته فى الوظيفة والسكن وتحقيق حياة آمنة مطمئنة، ولم يكتف أمن النظام بهذا، بل حاول أن يبدد قيم الخلق أيا كانت، مما حدى ببعض الشباب إلى الغرق فى بحر عمرو دياب ومخدر الموسيقى الصاخبة، والأمانى السراب بالحب والعواطف غير المشروعة، فشاع التحرش الجنسى ومشاكله وظهرت مآس جنسية جديدة لم يألفها مجتمعنا من قبل، وهو المجتمع المتدين والمحافظ، والذى ألبس ثوب التقاليد الشرقية بديلا عن ثوب الدين مخافة حتى أن يذكر اسم الدين نفسه!! فكانت هذه المآسى مثل زنى المحارم ومن بعد طغى حب الكرة طغياناً فاق حد الخيال فاستغرق الشباب فى حب بطولات الكرة من كأس إلى دورى إلى بطولة القارات، وهو أمر إن كان لا غضاضة فيه من حيث كونه رياضة مطلوبة ومحببة، لكن ازداد الإسراف فيه وامتلأت بسببه بطونا غير بطون الشعب المكابد من جراء ماكينة الدعاية، وما تدره من أموال كبيرة، غير أن هذه الرياضة المحبوبة إن كانت فى وسط آمن ومجتمع أكثر هدوءاً واستقراراً وحرية فلا بأس بها مطلقا، غير أن طغيانها كان يخفى وراءه الكثير من المعاناة، الأمر الذى كان يفضله أصحاب السلطة ليزدادوا إثما على إثمه، إلا أن ربك لبالمرصاد. إلى هنا فإن ذكر دراكولا ورعبه صار أكثر تسلية وأمنا عن ذكر أمن الدولة وضباطه ومقاره، والتى كان لابد وأن تحترق بعد ثورة 25 يناير الخالدة فى ساعة ما فى يوم ما.