◄◄ زار مبارك فى شرم الشيخ للاطمئنان على صحته.. وأنباء عن عودته بغطاء سياسى جديد بعد التعديلات الدستورية بعد أيام قليلة من تنحى الرئيس السابق محمد حسنى مبارك عن السلطة، وتسليمها إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، قال الدكتور أحمد شفيق رئيس الوزراء، إن المجلس العسكرى هو الذى سيحدد مصير عمر سليمان. فتحت هذه الكلمات الباب أمام البعض لطرح أسئلة تتمثل فى: هل يوجد تفكير بالفعل فى الاحتفاظ بالرجل لإعادة طرحه فى المستقبل بصيغة ما، بعد أن شغل لأيام قليلة منصب نائب رئيس الجمهورية انتهت بتنحى الرئيس السابق مبارك يوم 11 فبراير الماضى، ومن خلال موقعه الجديد أجرى حوارات مع العديد من قوى المعارضة قبل ترك مبارك للسلطة، وأصبحت تحت أيديه كل ملفات الشأن الداخلى ليصبح طرفا رئيسيا فيه، بعد أن ظل بعيدا عنه بقدر كبير لصالح إشرافه على ملفات خارجية من خلال رئاسته لجهاز المخابرات المصرية منذ 22 يناير عام 1993، وحتى يوم 29 يناير الذى انتقل فيه إلى موقع نائب رئيس الجمهورية، وهو الموقع الذى حدد الدستور صلاحياته فى المادة 82 بأنه فى حال قيام مانع مؤقت يحول دون مباشرة رئيس الجمهورية لاختصاصاته ينوب عنه نائب الرئيس فى حالة وجود من يتولى هذا المنصب، إلا أن هذه المادة قيدت الصلاحيات التى يمارسها نائب الرئيس بحيث تشمل جميع صلاحيات الرئيس عدا طلب تعديل الدستور، أوحل مجلس الشعب، أو مجلس الشورى، أو إقالة الوزارة. مصير السؤال عن مصير عمر سليمان الذى تولد من كلمات أحمد شفيق، فتح باب التقييم للرجل الذى بدا وجهه حزينا منكسرا وهو يلقى خطاب تنحى مبارك، وألقت هذه الحالة بظلالها على ما إذا كان حزنه وانكساره بسبب رحيل مبارك، أم رحيله هو شخصيا، أم الاثنين معا، وإذا أخذنا المسألة من زاوية الدراما الإنسانية، فيمكن تفهم قيام عمر سليمان بزيارة الرئيس السابق مبارك فى شرم الشيخ للاطمئنان عليه صحيا، وذلك بعد تنحى مبارك وسفره. فعل سليمان ذلك وفاء منه للرجل الذى عمل إلى جواره طوال 18 عاما متصلة هى سنوات رئاسته لجهاز المخابرات، وطوال الأيام القصيرة التى شغل فيها موقع نائب رئيس الجمهورية، كانت كل الشواهد تشير إلى أنه لم يكن يفكر بأى حال من الأحوال فى شغل منصب الرئيس، طالما أن مبارك موجود فى موقعه، وأشار إلى ذلك فى أكثر من موضع علانية وسرا، فطبقا للذين ذهبوا إلى الحوار معه من أحزاب المعارضة، وبعض شباب الثورة، كان يؤكد على طرح مسألة تنحى مبارك جانبا، على أن يبدأ بعد ذلك الحوار فى كل القضايا، ليس هذا فحسب بل إنه وفى لقائه برؤساء تحرير الصحف قبل تنحى مبارك بأيام، علق لأحد رؤساء التحرير هامسا على مطلب تفويض مبارك له أو تنحيه قائلا: «هذا مطلب سافر»، وهى الكلمة التى تحمل عدة أوجه، من بينها وجه ل«الوفاء» ووجه لما كان رائجا حول أن مبارك من أبطال حرب أكتوبر ولا يمكن أن تكون نهايته على هذا النحو الدرامى، وإذا كان هذا هو الرائج فى تفسير عدم رغبة سليمان فى تولى الرئاسة، فإن هناك من يرى وجهة نظر أخرى تتمثل فى أنه لم يكن يريد أن يتحمل التركة وحده، وهو يعلم تماما مدى صعوبتها بعد أن كشفت ثورة 25 يناير أن هناك سوسا ينخر فى جسد مؤسسات الدولة، وأن المطلوب على صعيد الأجندة السياسية قد يطرح شكوكا من الآخرين فيه. عودة إلى البيت عاد سليمان إلى بيته بعد خطاب التنحى ليجلس فيه يومين متأملا، يفكر فيما ستحمله الأيام له، وربما استحضر أن هذا المنصب جاء إليه فى غير موعده، فمنذ سنوات وهو مطروح له، لكن كل التكهنات كانت تذهب أدراج الريح، بعد أن ظهر على السطح سيناريو التوريث ليكون حائطا صلبا أمام عموم فكرة تعيين نائب للرئيس، وحسب ما ذكره الدكتور رفعت السعيد، رئيس حزب التجمع، قبل أيام فى صحيفة «الشرق الأوسط» عن الخبر الذى نشرته صحيفة «الأهالى» لسان حال الحزب بتعيين عمر سليمان نائبا للرئيس، حيث قال نصا: «كانت مجرد أقاويل، وتلقينا فى حينه مكالمة غاضبة من أحد الأجهزة بأن هذا غير صحيح، ولا تحشروا أنفسكم فى هذا»، ويضيف السعيد: «وربما استحضر سليمان المحطات التاريخية لمنصب نائب رئيس الجمهورية فى مصر منذ قيام ثورة يوليو عام 1952، وهم على التوالى عبداللطيف بغدادى وعبدالحكيم عامر وزكريا محيى الدين، وحسين الشافعى، وكمال الدين حسين، وحسن إبراهيم، وعلى صبرى ومحمد أنور السادات، والدكتور محمود فوزى ومحمد حسنى مبارك، ومن بين هؤلاء النواب صعد السادات ومبارك إلى الحكم، وأما زكريا محيى الدين فكان رئيسا لمدة يومين فقط بعد أن كان نائبا لعبدالناصر وخرج بعد مظاهرات 9 و10 يونيو عام 1967 التى طالبت عبدالناصر بالعودة، وبعد أن خرج هؤلاء من موقع نائب رئيس الجمهورية التزموا بيوتهم، فهل سيكون هذا المصير هو نفس مصير عمر سليمان؟» بالقياس على تاريخ غالبية نواب رئيس الجمهورية وكما هو مبين فى الأسماء السابقة، سنصل إلى أن مصير عمر سليمان ربما لن يكون استثناء، ويزيد من هذا الاحتمال أن الرجل، وحسب الرؤية التى تكونت أثناء ثورة 25 يناير وبعد نجاحها، فقد مصداقيته، وأنه غلب منطق الوفاء لمبارك، وبهذا المعيار لن يكون مقبولا شعبيا، كما أنه فى الإجمال محسوب على حالة النظام الذى قاده مبارك وثارت الجماهير ضده، وإذا كانت الشعارات التى رفعتها الثورة، وجددتها فى مظاهرة جمعة الانتصار طالبت بإقالة الحكومة لأنها من بقايا النظام، فهل يعقل أن تتقبل الجماهير عمر سليمان باعتباره الرمز الثانى فى هذا النظام حتى لو عاد بثوب جديد؟، ووفقا لتقديرات البعض فإن هذا المعنى هو ما يتعامل به المجلس العسكرى الذى يقود مصر حاليا، وأنه ليس من المعقول فى الوقت الذى يبحث فيه المجلس عن وسائل للتهدئة، توفر المناخ الصحى لإنجاز الملفات المطلوبة، وعلى رأسها التعديلات الدستورية، التى ستكون المعبر للانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة، أن يتم الإقدام على خطوة تثير الغضب من جديد، وتأسيسا على ذلك فإن ملف الرجل موزع مابين الإغلاق تماما، واحتمالات الإبقاء عليه. الإغلاق والإبقاء وإذا كان هناك وضوح لمبررات الإغلاق، فإن احتمالات الإبقاء التى يمكن التقاطها بطريقة أو بأخرى من كلمات أحمد شفيق «إن المجلس العسكرى هو الذى سيحدد مصير عمر سليمان»، ربما تستند إلى أن سليمان كانت بحوزته فى السنوات الماضية منذ أن تولى رئاسة جهاز المخابرات، ملفات هامة تتعلق جميعها بالأمن القومى المصرى، وعلاقته بالخارج، فهو الذى تولى الملف الفلسطينى بكل تشعباته، من ناحية العلاقة بين الفصائل الفلسطينية المختلفة، والعلاقة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل ودور مصر فيها، والعلاقة بين مصر وإسرائيل، كما تولى ملف مياه النيل وعلاقات مصر بدول الحوض، وفى القلب منه ملف العلاقة مع السودان، ورغم أن وزارة الخارجية المصرية ووزارة الرى تصدرتا المشهد فى ملف المياه، إلا أنه لم يكن سرا أن الملف كان يتم إدارته من جهاز المخابرات، وامتدت الملفات التى بحوزة سليمان إلى العلاقات المصرية الليبية، وكذلك ملف العلاقات مع أمريكا، وتأسيسا على ذلك، فإن تعدد الملفات قد يصب فى صالح وجهة النظر الخاصة بالإبقاء على عمر سليمان، من زاوية الاحتياج لكوادر الدولة فى شتى المجالات، ورغم ما يمكن توجيهه من انتقادات فى إدارة هذا الملف، إلا أنه تبقى نقطة هامة بحوزة سليمان قد تدفع المعنيين إلى التفكير فى إسناد منصب ما إليه، لكن ما طبيعة هذا المنصب؟. هناك سيناريوهات فى هذا الأمر، منها أن إبعاد الرجل فى هذه المرحلة قد يكون مقصودا حتى تهدأ حدة الغضب منه، وبعد ذلك يتم دفعه من جديد، لكن هل يكون ذلك عبر غطاء سياسى حزبى تمهيدا لطرحه لانتخابات الرئاسة، خاصة أن الأطراف الدولية ممثلة فى أمريكا وإسرائيل، وهما الطرفان اللذان تحدث من قبل الدكتور مصطفى الفقى عن أن لهما رأيا فى رئيس مصر، والطرفان أكثر ما يشغلهما الآن هو طبيعة الرئيس المقبل لمصر، ونقطة الارتكاز فى ذلك تتمثل فى العلاقة بين مصر وإسرائيل، وفى إطار هذه المعادلة يبقى عمر سليمان خيارا مفضلا للخارج، لكن تبقى نقطة الضعف فى هذا المنطق، أن الداخل هو الذى سيرجح الاختيار، والداخل سيكون أمامه مستجد هو ثورة 25 يناير، أضف إلى ذلك أن الرئيس المقبل لن يكون بوسعه قلب طاولة المعاهدات الدولية إلا وفقا لمستجدات إقليمية جديدة لا أحد يستطيع التنبؤ بها الآن فى ظل ما يحدث من انتفاضات فى العديد من الدول العربية. وتأسيسا على ما سبق فإن كلمة رئيس الوزراء أحمد شفيق «المجلس العسكرى هو الذى يحدد مصير عمر سليمان» ستبقى معلقة بين السماء والأرض حتى تكتب نهايتها فى يوم ما.