تتعرض ليبيا الشقيقة إلى مجازر جماعية أوقن من حدوثها لسبب بسيط ألا وهو أننى عملت فيها لفترة ليست بالقصيرة وأعرف عنها الكثير. أعرف كم يعانى المواطن الليبى من تخلف بلاده عن الركب .. أعرف كيف يعيش المواطن الليبى حائرا بين المدنية والعيشة البدوية والسبب هو يد السلطة الأبوية هناك. أعرف جيداً كم يعانى الموظف الليبى من ضعف الراتب وضعف مستوى المعيشة رغم أن بلاده بلاد بترولية. أعرف كيف يعيش المواطن الليبى من دخل سيارته الخاصة التى يحولها إلى تاكسى لتوصيل الأجانب من العمال وغيرهم.. أعرف أن جميع المواد الغذائية ارتفعت أسعارها منذ سنتين. لقد كنت أقطن فى بنغازى عروس ليبيا .. وهى مدينة حرة تشبه الإسكندرية عروس البحر الأبيض المتوسط فى التخطيط لكن فى البنية التحتية فقيرة جدا .. هناك تجد فندق تبستى .. فندق وحيد يشكو يد الإهمال بينما ترى الملايين تذهب لتشاد وأوغندا وغيرها من اجل الولاء للقذافى ولا أحد يتكلم. فلا يوجد صحافة حقيقة هناك بل توجد صحيفة أخبار بنغازى لنشر التعازى وأخبار كافة الشعبيات العامة وفقط .. وإذا تكلمت يكون مصيرك مثل الضيف غزالى الصحفى الذى قتل ووجدوا جثته بدون أصابع كإشارة واضحة لفضيلة الصمت .. وإذا اعترضت ستجد أهوال سجن أبو سويلم فى انتظارك. لا تندهشوا فحجم الفساد أكبر مما تتخيلون. اسمعوا معى بعض نكت الإخوة الليبيين الذين كنت أعمل معهم هناك فى جريدة ليبية.. يقال إن مهندسا مصريا وآخر ليبيا كانا أصدقاء وافترقا ثم تقابلا مصادفة، فوجد المهندس الليبى صديقه المصرى يعيش فى فيلا ولديه سيارة، فسأل عن السبب فقال له المصرى: اننى أسرق خمسة سنتيمتر من عرض الطريق فأكسب الملايين من وراء ذلك، وبعد سنة ذهب المهندس المصرى لصديقه الليبى فى ليبيا فوجده يعيش فى قصر ولديه عشرات السيارات فسأله كيف حصل على كل هذه الثروة ، فقال الليبى : أضع الطريق على الرسم ولا أنفذه أصلاً وأسرق الميزانية كلها .. نكتة وإن كانت تصلح للضحك فهى أيضاً تصلح للبكاء. والأشد منها تدور حول أمين شعبية التعليم عندما ترك منصبه لخلفه.. قال له إنه اختلس عدة ملايين لبناء عدة مدارس على الورق فقط فقام أمين الشعبية الجديد بوضع ميزانية لصيانة تلك المدارس الموجودة على الورق فقط حتى يأخذ حصته من الفساد المستشرى فى كل مكان .. ونفس النكتة تعبر بوضوح عن الفساد المستشرى هناك. وكما كنت أحلم بمصر جديدة .. أحلم بليبيا جديدة تواكب العصر وتفتح صدرها لتكون دولة بجد .. الليبيون يملكون الكثير والكثير وإذا كنت أخاف من الإهانة من قبل وأنا موجود هناك من الحرس البلدى أو الأمن الخارجى الذى استدعانى لأنى كتبت مقالة حادة هناك ذات مرة وقال لى : عيب أن تنتقد بلد تعيش من خيراتها؟ وهددونى وأرهبوا أسرتى .. كل تلك الأساليب البوليسية لم تعد ترهب أى مواطن ليبى أو أى مواطن عربى .. أن ليبيا أكبر دولة عربية هناك بيننا وبينهم حالات نسب وزواج ..لهذا علينا مساندتهم والوقوف بجوارهم .. إنى أسمع جلياً صوت الحرية يرفرف على كل أرجاء ليبيا .. أحلم بدولة ليبية حقيقة ودستور حقيقى فى البلاد .. أحلم بحفظ كرامة كل مصرى هناك من بعد الآن .. أحلم بليبيا بدون قذافى او بدون الفاتح أبداً .. هل يعقل أن تكون اللافتات هناك " المجد لك يا صانع المجد " وأن يكتب فى المراسلات الحكومية كلمة الفاتح ابدأ قبل كلمة بسم الله الرحمن الرحيم .. وهل يعقل أن يذاع الكتاب الأخضر كل يوم مع كل نشرة يومية .. وهل وهل وهل .. وألف هل وألف علامة استفهام ... ليبيا أكبر بكثير من شخص القذافى وغيره .. هل يعقل أن يهدم نادى أهلى بنغازى العريق ويوقف نشاطه ست سنوات من أجل بعض هتافات من الجماهير ضد ابن القذافى ذات يوم .. كمية اللا معقول فى ليبيا غير موجودة فى أى دول أخرى. أن دولة الطغيان إلى زوال وغداً ليبيا جديدة .. أفتقدك يا ليبيا الحبيبة وأفتقد أحبابى وأصدقائى هناك .. لكننى أرجو الله أن لا أزورك ثانية إلا وأنت مولودة من جديد .. من رحم الطغيان إلى نور الصباح .. صباح الحرية .. وأن غداً لناظره قريب .. ومن مصر " أم الدنيا " إلى ليبيا " عروس الشرق " نحن معكم قلباً وقالباُ ..