لقد لاحظنا فى الآونة الأخيرة بعض الحساسية تجاه مصطلح "مسحيو الشرق"، وبدون الدخول فى أغوار التاريخ اسمحوا لى أن أقدمهم للقارئ الكريم. مسيحيو الشرق هم الذين ولدوا فى هذه المنطقة التى تباركت وتقدست بميلاد يسوع المسيح والتى شهدت كرازته، وكذلك موته وقيامته، فمسيحيو الشرق هم أحفاد (إذا جاز القول) المسيحيون الأوائل الذين شاهدوا وحملوا الإنجيل إلى أقصى الأرض، وهم الذين حملوا البشرى للغرب على يد هامتى الرسل بطرس وبولس الرسولين وغيرهما. مسيحيو الشرق هم أحفاد الشهداء الذين رووا بدمائهم الأرض، خاصة فى القرون الثلاث الأولى من أجل المسيح ومن أجل الثبات فى الإيمان، وإن كانت الكنيسة ما زالت قائمة إلى اليوم بعد أكثر من 2000 عام. مسيحيو الشرق هم أيضاً مؤسسو الحياة الرهبانية على مثال القديس أنطونيوس والقديس بولا وغيرهما والتى أخذها عنهم الغرب بعد ذلك. مسيحيو الشرق لهم لاهوتهم الشرقى وطقوسهم النابعة من بيئتهم وأيضاً تقاليدهم الكنسية التى تختلف عن الغرب. مسيحيو الشرق هم مع إخوانهم المسلمين عانوا من حروب الفرنجة (الصليبية) على مثال عيسى العوام ومن بعدهم الاستعمار الأوروبى، وكان لهم مواقفهم الوطنية، فالاستعمار لم يستطع أن يفرق بينهم وبين إخوانهم المسلمين فكان عليه الرحيل. مسيحيو الشرق تشمل عدة كنائس أرثوذكسية وإنجيلية وكاثوليكية والجزء الكاثوليكى منها هم كنائس ذات "حق خاص"، أى لهم تنظيم أدارى كنسى مختلف بعض الشىء عن كنيسة روما، كما لها طقوسها الخاصة يرأسها بطريرك، ولكن فى شراكة روحية وعقائدية، وأيضاً إدارية فى بعض الوجه مع بابا روما، وهى جزء لا يتجزأ من الكنيسة الجامعة الرسولية. مسيحيو الشرق هم مع أقرانهم المسلمين ضحايا للاحتلال الإسرائيلى لفلسطين منذ عام 1948 وكم من الشهداء والمجاهدين والزعماء الفلسطينيون كانوا مسيحيون، ولكن لصعوبة الأوضاع تقلص عدد المسيحيين فى الأراضى المحتلة، وكانت الهجرة (مثلهم مثل المسلمين) سبيلهم الوحيد للبحث عن كرامة العيش، وهذا ما أكد عليه سينودس الشرق الأوسط الذى انعقد فى روما فى أكتوبر الماضى واليوم مع تصاعد الإسلام السياسى الرافض للآخر، بل إقصائه، واعتبار المسيحيين مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة، وتصاعد الهجمات الإرهابية ضدهم (كالعراق على مثال كنيسة النجاة وغيرها)، بجانب الصعوبات الحياتية كالبطالة وسوء الأحوال الاقتصادية إلى آخر من المشاكل التى يشتركون فيها مع إخوانهم المسلمين، أصبح المستقبل مجهولا ووطنهم لم يعد الوطن الذين يعرفونه ويعيشون فى كنفه، بل طارداً لهم، ولا ننسى أن المرشد السابق السابق للمحظورة فى مصر قال منذ عدة سنوات قريبة: "إذا كان الأقباط مش عاجبهم يسيبوا البلد ويهاجروا". كما أكد أن ليس لهم الحق فى الانضمام للجيش والشرطة والقضاء أو تبوء مناصب هامة فلا ولاية لمسيحى على مسلم، هذا هو منطقهم الذى لا يرى فى الآخر شريكاً له فى الوطن. مسيحيو الشرق يطالبون حكومتهم بحمايتهم وإقرار بعض القوانين التى قد تساعد على تخفيف مخاوفهم والنظر اليهم كشركاء فى وطن واحد وأرض واحدة بدون تمييز وتفعيل فكرة المواطنة، فليس بالعناق والأغانى ستحل المشاكل، بل بوقفة جدية ومواقف حاسمة. هؤلاء هم "مسيحيو الشرق" ولا أرى أى سبب للحساسية إذا فهمنا هذا الاصطلاح وما يحمله من معانٍ.