محافظ الفيوم يتابع غلق لجان التصويت في اليوم الثاني لانتخابات النواب بالدائرتين الأولى والرابعة    رئيس مصلحة الجمارك: نعمل على بناء منظومة جمركية متطورة تعتمد على الذكاء الاصطناعي    الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى يدين اعتراف إسرائيل بما يسمى «صوماليلاند»    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم قرية عابود شمال غرب رام الله بالضفة الغربية    كونتي: نابولي غير جاهز ليكون قوة مهمينة على إيطاليا    مصرع طفلين في تصادم بالفرافرة    القضاء الإداري يُلغي قرار نقيب الموسيقيين بمنع هيفاء وهبي من الغناء    مدير مكتبة الإسكندرية يوزع جوائز المبدعين الشباب 2025    رئيس وزراء الصومال: نستخدم القنوات الدبلوماسية للدفاع عن أرضنا ووحدتنا    حكومة بريطانيا في خطر بسبب علاء عبد الفتاح.. أحمد موسى يكشف مفاجأة(فيديو)    التشكيل الرسمى لقمة كوت ديفوار ضد الكاميرون فى بطولة كأس أمم أفريقيا    المستشار إسماعيل زناتي: الدور الأمني والتنظيمي ضَمن للمواطنين الاقتراع بشفافية    أشرف الدوكار: نقابة النقل البري تتحول إلى نموذج خدمي واستثماري متكامل    بوليسيتش يرد على أنباء ارتباطه ب سيدني سويني    تفاصيل وفاة مُسن بتوقف عضلة القلب بعد تعرضه لهجوم كلاب ضالة بأحد شوارع بورسعيد    عبقرية مصر الرياضية بأفكار الوزير الاحترافية    القضاء الإداري يسقِط قرار منع هيفاء وهبي من الغناء في مصر    عاجل- رئيس الوزراء يستقبل المدير العام للمركز الأفريقي لمكافحة الأمراض ويؤكد دعم مصر لاستضافة الآلية الأفريقية للشراء الموحد    الأزهر للفتوي: ادعاء معرفة الغيب والتنبؤ بالمستقبل ممارسات تخالف صحيح الدين    إيمان عبد العزيز تنتهي من تسجيل أغنية "إبليس" وتستعد لتصويرها في تركيا    جامعة بنها تراجع منظومة الجودة والسلامة والصحة المهنية لضمان بيئة عمل آمنة    سكرتير مساعد الدقهلية يتفقد المركز التكنولوجي بمدينة دكرنس    تراجع أسواق الخليج وسط تداولات محدودة في موسم العطلات    أمم أفريقيا 2025| منتخب موزمبيق يهزم الجابون بثلاثية    شوط سلبي أول بين غينيا الاستوائية والسودان في أمم أفريقيا 2025    نائب محافظ الجيزة يتفقد عددا من المشروعات الخدمية بمركز منشأة القناطر    هذا هو سبب وفاة مطرب المهرجانات دق دق صاحب أغنية إخواتي    ترامب يعلن توقف القتال الدائر بين تايلاند وكمبوديا مؤقتا: واشنطن أصبحت الأمم المتحدة الحقيقية    «مراكز الموت» في المريوطية.. هروب جماعي يفضح مصحات الإدمان المشبوهة    نجاح أول عملية قلب مفتوح بمستشفى طنطا العام في الغربية    سقوط عنصرين جنائيين لغسل 100 مليون جنيه من تجارة المخدرات    محافظ الجيزة يشارك في الاجتماع الشهري لمجلس جامعة القاهرة    «اليوم السابع» نصيب الأسد.. تغطية خاصة لاحتفالية جوائز الصحافة المصرية 2025    نقابة المهندسين تحتفي بالمهندس طارق النبراوي وسط نخبة من الشخصيات العامة    "القاهرة الإخبارية": خلافات عميقة تسبق زيلينسكي إلى واشنطن    محمود عاشور حكمًا لل "VAR" بمواجهة مالي وجزر القمر في كأس الأمم الأفريقية    إسكان الشيوخ توجه اتهامات للوزارة بشأن ملف التصالح في مخالفات البناء    هيئة سلامة الغذاء: 6425 رسالة غذائية مصدرة خلال الأسبوع الماضي    وزير الإسكان: مخطط شامل لتطوير وسط القاهرة والمنطقة المحيطة بالأهرامات    قضية تهز الرأي العام في أمريكا.. أسرة مراهق تتهم الذكاء الاصطناعي بالتورط في وفاته    رسالة من اللواء عادل عزب مسئول ملف الإخوان الأسبق في الأمن الوطني ل عبد الرحيم علي    وزارة الداخلية تضبط 4 أشخاص جمعوا بطاقات الناخبين    صاحب الفضيلة الشيخ / سعد الفقي يكتب عن : شخصية العام!    " نحنُ بالانتظار " ..قصيدة لأميرة الشعر العربى أ.د.أحلام الحسن    من مخزن المصادرات إلى قفص الاتهام.. المؤبد لعامل جمارك بقليوب    انطلاقا من إثيوبيا.. الدعم السريع تستعد لشن هجوم على السودان    قيادات الأزهر يتفقدون انطلاق اختبارات المرحلة الثالثة والأخيرة للابتعاث العام 2026م    لتخفيف التشنج والإجهاد اليومي، وصفات طبيعية لعلاج آلام الرقبة والكتفين    أبرز مخرجات الابتكار والتطبيقات التكنولوجية خلال عام 2025    أزمة السويحلي الليبي تتصاعد.. ثنائي منتخب مصر للطائرة يلجأ للاتحاد الدولي    دار الإفتاء توضح حكم إخراج الزكاة في صورة بطاطين    بدون حبوب| أطعمة طبيعية تمد جسمك بالمغنيسيوم يوميا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم فى سوهاج    هيئة الرعاية الصحية تستعرض إنجازات التأمين الصحي الشامل بمحافظات إقليم القناة    الناخبون يتوافدون للتصويت بجولة الإعادة في 19 دائرة ب7 محافظات    لافروف: روسيا تعارض استقلال تايوان بأي شكل من الأشكال    أول تعليق من حمو بيكا بعد انتهاء عقوبته في قضية حيازة سلاح أبيض    واتكينز بعدما سجل ثنائية في تشيلسي: لم ألعب بأفضل شكل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا تكسروا إرادة البرلمان.. الأنظمة القضائية العالمية تنتصر للبرلمان والرئيس فى اختيار القضاة.. القانون والدستور لم يمنعا أردوغان من ذبح القضاء.. وتعيين القضاة من صلاحيات البرلمان والحكومة فى بريطانيا
نشر في اليوم السابع يوم 21 - 04 - 2017

* هل يمكن اعتبار فرض رؤية ما على البرلمان والخصم من صلاحياته التشريعية أمرا فى صالح مصر؟

* المنظومة القانونية الجيدة تحتاج برلمانا كفئا ومستقلا لحمايتها بشكل مستمر

* هل يمكن أن يكون القاضى مستقلا إذا لم يكن النائب صانع القوانين حرا ومستقل الإرادة؟


ثلاث سنوات قضاها رجب طيب أردوغان رئيسا لتركيا، تمتع خلالها بصلاحيات تنفيذية واسعة، قياسا على نظام برلمانى يشكل المجلس النيابى المنتخب مركز السلطة فيه، ويترجمها عمليا بانبثاق السلطة التنفيذية من داخل تركيبته السياسية ووفق موازين القوى فيه، ورغم نجاح حزب أردوغان "العدالة والتنمية" فى تحقيق أغلبية برلمانية كافية لتشكيل الحكومة، بمعاونة بعض الأحزاب الصغيرة التى ارتضت بشروط الحزب الإسلامى للتحالف، لم يقنع السياسى الذى قضى 11 سنة رئيسا للوزراء ورجلا أول على المستويين السياسى والتنفيذي، بما يوفره له الدستور من صلاحيات داخلية وخارجية، أبرزها حقه فى تعيين عدد كبير من كبار القضاة بالمحاكم المختلفة، ويصل الأمر إلى تعيين 14 قاضيا من أصل 17 بالمحكمة الدستورية، فقرر إعادة بناء الدولة وفق صيغة رئاسية، لتصبح له سلطات شبه مطلقة فى الشؤون السياسية والتنفيذية، وكلمة عليا وقاطعة فى الشأن القضائى وفى تعيين القضاة وعزلهم.

الصيغة التى ذهب إليها أردوغان فى إطار فرض سيطرته على تركيا، تحمل شبهات كثيرة سجلتها أحزاب المعارضة الكبرى فى تركيا، بينما رد أنصار العدالة والتنمية متعللين بأن الهيكل التنفيذى الجديد الذى تقره التعديلات الدستورية الأخيرة، التى مررها أردوغان فى استفتاء عام، شهدته البلاد 16 أبريل الجاري، اختارت بناء الدولة وفق منطق رئاسى لا برلماني، وهذه طبيعة النظام الرئاسى وما يوفره من صلاحيات للمنصب الأول فى البلاد، وهو ما اشتبك معه المعارضون كاشفين فوارق عديدة بين الصيغة الأردوغانية والأنظمة الرئيسية الكبرى عالميا، وتحديدا فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية التى ضرب مؤيدو التعديلات الدستورية النموذج بها، ولكن ظلت نقطة الصلاحيات الجديدة فيما يخص تعيين القضاة وعزلهم محل جدل أكبر، فالصيغة البرلمانية السابقة منحت الرئيس سلطات كبيرة فى الاختيار والعزل، والصيغة الجديدة تغولت فى الأمر واستحوزت بشكل يقترب من الهيمنة على مقاليد الأمور فى سلك القضاء، ورغم هذا كانت هذه النقطة الأقل انتقادا من المعارضين، ربما لأنها النقطة الأكثر شبها بفرنسا وأمريكا وغيرهما من الأنظمة الرئاسية، وحتى غير الرئاسية.


** من فرنسا وأمريكا إلى تركيا "قبل وبعد"

الآن يستطيع أردوغان، فى ظل نظام رئاسى جرى تمريره فى استفتاء - ما زال مشكوكا فى نتائجه - تعيين مئات القضاة، وعزلهم، وفرض ترتيبات وأمور تنفيذية عديدة تخص المحاكم والهيئات القضائية المختلفة، ومن قبل كان يحتفظ بقدر كبير من هذه الصلاحيات فى ظل نظام برلماني، يُفترض أن تكون هذه الأمور من سلطات البرلمان، وبين الحالتين التركيتين، قبل تعديلات الدستور وبعدها، ربما لم تتغير الصورة كثيرا فيما يخص علاقة مؤسسة الرئاسة بقطاع القضاء، باستثناء زيادة أعداد القضاة الذين يعينهم الرئيس وإطلاق حقه فى عزلهم، ولكن النظامين اللذين تشبه بهما داعمو الرئيس التركي، يختلف فيهما الأمر بقدر ما.

فى فرنسا تتوزع سلطة إدارة التعيين والخروج من السلك القضائى بين الرئيس والجمعية الوطنية "البرلمان" ووزارة العدل، يبدأ الالتحاق وفق ضوابط ورقابة وقرارات وزارة العدل، وينفذ بقرار من الرئيس، بينما يستكمل القاضى رحلته المهنية وخطواته الصاعدة على سلم الترقى بقرارات حكومية ورئاسية، ويُعين رؤساء بعض الهيئات القضائية بقرارات رئاسية وترشيحات من الجمعية الوطنية، وللأطراف الثلاثة سلطات تنفيذية ورقابية فيما يخص هيكل القطاع القضائى فى المستويات الوظيفية والمالية والإدارية والجوانب التنظيمية والرقابية.

فى الولايات المتحدة الأمريكية يحتفظ الرئيس بمفرده بصلاحية تعيين قضاة المحكمة العليا الثمانية، ورئيسها، وهى المحكمة الأهم والأوسع سلطة وأكثر مركزية فى النظام القضائى الأمريكي، وتتمتع بنفوذ ضخم وصلاحيات واسعة فيما يخص الفصل فى النزاعات القانونية الفيدرالية والخلافات ذات الطابع الدستورى والأمور المتصلة بالشؤون العليا للولايات وقرارات البيت الأبيض وقرارات الكونجرس وبرلمانات الولايات، وغيرها من الأمور التى تكفى لوضعها فى منزلة هيمنة وسيادة داخل المنظومة القانونية والقضائية الأمريكية، بينما على صعيد المحاكم وهيئات القضاء الأخرى، فيتوزع الأمر بين الرئيس والكونجرس، وبين حكام الولايات وبرلماناتها، وتعتمد بعض الولايات آلية الانتخاب المباشر للقضاة من المواطنين، عبر اقتراع عام مؤقت بفترة ولاية، ما يعنى احتمالية العزل فى موعد محدد سلفا عبر صندوق وبطاقة تصويت.


** ثنائية "البرلمان والرئيس" تقود قضاء العالم

فى بريطانيا يصدر قرار تعيين القضاة بمرسوم ملكي، بعد اختيارهم من جانب رئيس مجلس اللوردات، الغرفة الثانية بالبرلمان، وبموجب الدستور العرفى غير المكتوب والمنظومة القضائية السارية ومدوناتها، يشغل رئيس مجلس اللوردات منصب الرئيس الأعلى للقضاء فى البلاد، بموقعه وصفته، أما رئيس محكمة الاستئناف ومستشارو المحكمة واللوردات المعاونون ورئيس دائرة مجلس الملكة الخاص، فيصدر بتعيينهم قرار مباشر من رئيس الوزراء، والمفارقة أن بريطانيا لا تمتلك دستورا مكتوبا، ورغم هذا تملك قضاء مستقلا ولا تشهد تغولا على صلاحيات البرلمان من القصر أو القضاء، والعكس، وفى كندا، الخاضعة للتاج البريطاني، لا يستطيع القاضى المرشح لعضوية المحاكم العليا النفاذ لموقعه قبل الخضوع لاختبار عام من خلال لجنة برلمانية، إذ يعقد الاختبار فى إطار رسمى معلن، وتذاع وقائعه علانية، وعلى ضوئه تصدر اللجنة قرارها بشأن القاضى المذكور، وهو قرار غير ملزم لرئيس الوزراء (أعلى سلطة تنفيذية مباشرة)، ووفق هذه الآليات فإن اختيار قضاة كندا وتعيينهم مسؤولية مشتركة ومقتسمة بين البرلمان والسلطة التنفيذية، فى ظل ولاية وتوجيه مجتمعيين تفرضهما حالة العلنية، وعلى ضوء اختبار فرز وتقييم محكم وذى أسس واضحة.

فى سويسرا لا توجد قاعدة واحدة تحكم إدارة المنظومة القضائية، فالبلد الأوروبى ذو الهيكل الفيدرالى غير المركزي، يحفظ لكل مقاطعة حقها فى تنظيم الأمور الداخلية لقطاعها القضائي، وآليات اختيار قضاتها وتعيينهم، فيختار برلمان العاصمة "جنيف" القضاة من خلال عملية اقتراع وفرز، لولاية مدتها 6 سنوات، قابلة للتمديد مرات أخرى، ولكن قضاة المحكمة الفيدرالية العليا، أعلى الهيئات القضائية فى البلاد وأوسعها سلطة، فيُنتخبون من جانب البرلمان الفيدرالى بمدينة "برن"، بينما على صعيد ألمانيا، إحدى أهم الديمقراطيات الأوروبية الحديثة، المتمتعة بنظام قوى وفاعل للفصل بين السلطات، ومنظومة قضائية صلبة ومتماسكة، فإن قضاة محكمتها الدستورية (الهيئة الأوسع اختصاصا وصلاحيات، وصاحبة الحضور السيادى الملزم للهيئات القضائية والسلطات التنفيذية الإقليمية والفيدرالية)، يُنتخبون بكامل عددهم، 16 قاضيا، عبر آليتين واضحتين ودائمتين، تشمل اختيار نصف العدد من خلال البرلمان الألمانى "بوندستاج"، والنصف الثانى من خلال مجالس المقاطعات الاتحادية، لولاية قدرها 12 سنة غير قابلة للتجديد، وفى فرنسا يُعيّن مستشارو محكمة النقض والقضاة الأوائل لمحاكم الاستئناف بقرار من رئيس الجمهورية، بناء على اقتراح من مجلس القضاء الأعلى، بينما يُعيّن قضاة الحكم بقرار جمهورى، بناء على ترشيح من وزير العدل.

المنظومة القضائية فى آسيا، وآليات اختيار قضاتها، لا تختلف كثيرا عن الصيغتين الأوروبية والأمريكية، سواء كان النظام رئاسيا أو برلمانيا، ففى الإمبراطورية اليابانية يُعيّن مجلس النواب قضاة التحكيم بمحاكم الدرجة الأولى ومحكمة النقض، وذلك فى ضوء قائمة أسماء مقترحة من محكمة النقض، ويُعيّن رئيس محكمة النقض نفسه باختيار وقرار مباشرين من الإمبراطور، ويستند النظام القضائى فى الصين إلى البرلمان بالدرجة الأكبر، فينتخب "المجلس الوطنى لنواب الشعب"، رئيس المحكمة الشعبية العليا، فى حين تتولى اللجنة الدائمة للمجلس تعيين نواب رئيس المحكمة وقضاتها وعزلهم، وهو الأمر نفسه فى كوريا الشمالية، وفى روسيا يختار الرئيس قضاة المحكمة العليا، وهى أعلى درجات التقاضى وآخرها، كما تراقب أعمال المحاكم الأدنى وتشرف عليها وتقدم تفسيرات للقانون، ويأتى قرار الرئيس بعد النظر فى ترشيحات المجلس الاتحادى "الغرفة الأعلى بالبرلمان".

** كيف سيفعلها مجلس النواب؟

الخلاف المنطقى على تدخل أردوغان المبالغ فيه والعنيف فى الدستور وبنية الدولة التركية، لا يعنى أن الصيغة الرئاسية فى ذاتها سيئة، الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وروسيا أنظمة رئاسية، وتتمتع بصيغة ناضجة من الديمقراطية وتداول السلطة والفصل بين السلطات، ولكن هذه الصيغة نفسها لم تعصم تركيا، وكوبا وفنزويلا ومن على شاكلتهما من الدول نموذجا، من تغول السلطة التنفيذية ومؤسسة الرئاسة على السلطات الأخرى، وهنا لا نجد مفرا من الإقرار بأن صلاحية المنظومة وانضباطها لا يرتبطان بالتأسيس القانونى والصياغات التشريعية السارية وحسب، وإنما برشد السلطة وقراءتها للموقف وتعاملها مع الشركاء ضمن الهيكل البنائى للدولة، وأيضا فى الرقابة الفاعلة وفى وجود برلمان قوى وفاعل وذى سلطات واضحة وقدرات مؤثرة على إنفاذ هذه السلطات.

النقطة الأخيرة تفتح ملف الصراعات التى يواجهها مجلس النواب المصري، على أصعدة ومستويات عدة، ولكن من داخل النقطة المحددة التى تناولناها بالعرض والتحليل فى الموضوع، نكتفى بالاقتراب من الصراع الدائر بين المجلس والهيئات القضائية، على خلفية رفض الأخيرة لتشريع ما زال جاريا فى قنوات البرلمان الداخلية، (خرج مؤخرا إلى مجلس الدولة لمراجعته وفق نص الدستور)، وإذا تجاوزنا فى هذا المقام تفاصيل الصراع ومداخله ومنعطفاته، منذ تقديم مشروع قانون بتعديل المادة 44 من قانون السلطة القضائية، بشأن آلية اختيار رؤساء الهيئات القضائية وتعيينهم، منذ أواخر ديسمبر الماضى وحتى الآن، سيتبقى لنا السؤال الأهم، المتصل بحدود صلاحيات البرلمان ومداه الفاعل والمؤثر، أو بمعنى أوضح وأكثر مباشرة، هل يمكن أن يكون الاصطدام بالمؤسسة التشريعية ومحاولة إضعافها وكسر إرادتها أمرا فى صالح الدولة وسلطتيها الأخريين، التنفيذية والقضائية؟ وهل يكون المسعى القائم الآن لفرض رؤى ما على البرلمان مدخلا لكسر نقطة التوازن التى أشرنا إليها بشأن حجية القانون وصلاحيته وقوة إنفاذه، على طريقة أردوغان فى قمع البرلمان بالدستور؟ وهل تنازل البرلمان عن رؤيته جبرا، تحت ضغط القضاة، هيئات وأفرادا، يمكن أن يقيم منظومة تشريعية وقانونية صحية وناضجة؟ أم يكون مدخلا لخلخلة الموازين وصناعة نظام يبدو قويا ومتماسكا كأنظمة أمريكا وفرنسا وروسيا، ولكنه فى جوهره هش وورقى ومهتز كنظام أردوغان؟

التعديل الذى ناقشه مجلس النواب، ويمنح الرئيس صلاحية اختيار رئيس الهيئة القضائية من بين 3 أسماء ترشحها مجلس الهيئات من أقدم 7 نواب لرئيس الهيئة، بينما كانت فى السابق ترشح اسما واحدا ليصدر الرئيس قرارا بتعيينه، ربما لا تحمل فى جوهرها الحقيقى أى تغول أو وصاية من البرلمان ومؤسسة الرئاسة على السلطة القضائية، ما زال للأخيرة حق إدارة شؤونها واختيار القائمين عليها، فى بلد يقتسم النظامين الرئاسى والبرلمانى وفق صيغة متوازنة بين البرلمان والرئيس، وبموجبها، وفى ضوء الأنظمة العالمية راسخة الديمقراطية والتماسك، يحق لهما اختيار القضاة وتعيينهم، وهو ما لم يحدث ولم تقترب منه التعديلات، فعلى أى أرض يقوم الخلاف الحالي؟

الأمر الواضح عبر رحلة الشهور الأربعة الأخيرة، منذ طرح مشروع القانون، مرورا برفض الهيئات القضائية وأندية القضاة، ومناقشة مجلس النواب للمشروع وإقراره من حيث المبدأ ثم إرساله لمجلس الدولة، ورفض الأخير له مؤخرا وحديثه عن شبهة عدم الدستورية، وصولا إلى أحاديث عديدة من لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، عن قبولهم لإعادة النظر فى المشروع والاستماع لآراء القضاة، رغم تجاهلهم السابق لمطالب إبداء الرأي، ووصول اللجنة بمستوى التناول فى إطار السعى لحل الأزمة، إلى حد قبولها بالعودة للقانون القديم لو أراد القضاة هذا، يشير فى ظاهره إلى مساحة إيجابية من التوافق، ولكنه فى جوهره يجمل مؤشرات خطيرة، لأنه يشير إلى سيادة رأى على آخر دون حوار ونقاش، وإلى اتجاه أصبح قريبا لكسر إرادة السلطة التشريعية وغل يدها عن صلاحياتها فى التشريع، والمصادرة المسبقة على المحكمة الدستورية العليا بشأن سلطتها للفصل فى كل المنازعات المتصلة بالوثيقة الوطنية الأولى، الدستور، بحجيته وإلزاميته للجميع، وهو ما قد يكون بداية لخلخلة ركائز قانونية وأسس بنائية، تخص هيكل الدولة المصرية وعلاقات سلطاتها ببعضها، ومساحة صلاحيات هذه السلطات.

السؤال الأهم والأكثر إلحاحا الآن، هل يمكن اعتبار كسر إرادة البرلمان مكسبا لأحد؟ وهل تقبل الهيئات القضائية التى تعمل فى ضوء منظومة تشريع يصيغها البرلمان ويشكل ملامحها، أن تكون أول معول ينتقص من صلاحيات المجلس ويخصم من عافيته وحريته واستقلاله فى بناء القوانين، أى أن تخصم من نفسها مباشرة، لأنها تسمح بسنة جديدة تجيز توجيه عملية التشريع والمصادرة عليها والتحكم فى ماكينة إنتاجها؟

الحقيقة أننا إزاء أزمة قائمة حتى الآن، ليس البرلمان صاحبها ولا المسؤول عنها، فحتى الآن ما زال يمارس دوره وفق حيزه الدستورى واللائحي، وبينما يتمتع المجلس بصلاحيات واسعة فى ضوء بناء دستورى نصف رئاسي/ نصف برلماني، فإنه يتعرض لضغوط قوية رغم هذه الصلاحيات، بينما الدول الشبيهة عالميا، وغير الشبيهة من المنحازة للنظام الرئاسى أو البرلمانى البحت، يحضر فيها الرئيس والبرلمان، والمواطنون الناخبون أحيانا، كسلطة مباشرة وكاملة الصلاحية فى اختيار القضاة وتنحيتهم، فكيف يمكن انقضاء الأزمة الراهنة وتجاوزها؟ وكيف سيفعلها مجلس النواب وينتصر لسلطته وصلاحياته، أى لتجرد واستقلالية ماكينة إنتاج القوانين؟ ننتظر الأيام المقبلة لنعرف، ونتمنى ألا يأتى حل الأزمة على حساب البرلمان وكسر إرادته.
البرلمان
مجلس النواب
القضاة
قانون الهيئات القضائية
اردوغان
"نيويورك تايمز" تستند ل"اليوم السابع" فى كشف فبركة الإخوان فيديو الجيش
رواد "فيس بوك" يتداولون المهرجان الشعبى "الواد تميم الهفأ.. أوباما اللى مربيه"
"اليوم السابع" تقدم خدمة حل الأزمات النفسية والجنسية والتربوية ..رشا الجندى تقدم طرق لمواجهة الرغبات الشاذة بعقلانية بعد رسالة "عاشق تقبيل أقدام النساء" ..ونصائح لحل المشاكل مع الأهل وكيفية التعامل مع الأطفال
المسلمون يحتفلون بالإسراء والمعراج.. مساجد مصر تتحدث عن الدروس المستفادة.. واحتفال رسمى غًدا بالحسين.. دار الإفتاء: الرسول أسرى وأعرج به جسدا وروحا.. وأزهريون: إنكار المعجزة سوء فهم للكتاب والسنة
تعرف على جدول مواعيد مباريات نصف نهائى دورى أبطال أوروبا
بالفيديو..حكاية أقدم مسجل خطر فى مصر.. "توبوا يرحمكم الله"
لا توجد تعليقات على الخبر
لا يوجد المزيد من التعليقات.
اضف تعليق
الأسم
البريد الالكترونى
عنوان التعليق
التعليق
مشاركتك بالتعليق تعنى أنك قرأت بروتوكول نشر التعليقات على اليوم السابع، وأنك تتحمل المسئولية الأدبية والقانونية عن نشر هذا التعليق بروتوكول نشر التعليقات من اليوم السابع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.