حتى قبل إعلان الحزب الوطنى بساعات أسماء مرشحيه فى انتخابات مجلس الشعب يوم 28 نوفمبر المقبل، كان السؤال المطروح: هل نجح الحزب بالفعل فى فرض هيمنته على أعضائه فيما يتعلق بعدم الخروج عن القواعد التى وضعتها قيادة الحزب للترشيح فى الانتخابات؟ وإلى أى مدى صدر الحزب صورة إيجابية أمام القوى السياسية الأخرى فى التزام أعضائه بتلك القواعد؟ بدأ الحزب استعداداته مبكرا فى اختيار مرشحيه، وكانت الاستطلاعات التى تم اتباعها أول الإجراءات الخاصة بذلك، وجذب الاستطلاع دوائر الرأى العام خاصة أنه احتوى على أسئلة جوهرية أجاب عليها المواطنون الذين شملهم الاستطلاع بحرية كاملة، وكان الفريق الذى تصدى لهذه العملية من خارج القرى والأحياء التى توجه إليها فريق الاستطلاع، وتركزت الأسئلة فى استطلاع آراء المواطنين فى الأسماء التى تقدمت للحزب للفوز بالترشيح من ناحية هل هم موجودون فى الدائرة، وإلى أى مدى لهم شعبية، وكذلك سمعتهم السياسية، بالإضافة إلى أسئلة أخرى شملها الاستطلاع، مثل السؤال عن آخر مرة ذهب فيها المواطن الذى يجيب عن الأسئلة إلى الانتخابات، وهل يعتزم الذهاب للإدلاء بصوته فى انتخابات مجلس الشعب المقبلة أم سيقاطعها، وما رأيه فى انتخابات الشورى الأخيرة؟ كان الاستطلاع هو أول موجة فى جذب الرأى العام، نحو أن الحزب يسعى إلى إشراك المواطنين فى عملية اختيار مرشحيه، وأن هذا الأمر لا يقتصر على أعضائه، حيث كان الاستطلاع يتم بعشوائية ويتم تسجيل الإجابات كما هى، كما خرجت الأسئلة من نطاق البحث عن مرشح للحزب إلى فضاء عام يتمثل فى: هل سيذهب الناس إلى الانتخابات أم لا؟ والمثير أن الاستطلاع شمل أيضا أسئلة عن المنافسين بقوة من المعارضة والمستقلين لمرشحى الحزب الذين سيتم اختيارهم، والخلاصة فى ذلك أن عملية الاستطلاع بصرف النظر عن الرأى فى الحزب وسياساته تعد عملا علميا جديدا، تفرد به الحزب بين كل الأحزاب والجماعات السياسية الأخرى، وهو إجراء لو اتبعه باقى الأحزاب بشفافية سيعطى نتائج باهرة، أبرزها إشراك الناخب فى الرأى مبكرا فى شعبية المرشحين الذين يختارهم أى حزب، لكن بقى التحدى فى أنه هل سيتم بالفعل الأخذ فى الاعتبار من قيادات الوطنى نتيجة هذا الاستطلاع؟. جاءت الموجة الثانية فى جذب الرأى العام متمثلة فى انتخابات مجمعات الحزب، وهى الانتخابات التى توجهت إليها الأنظار بوصفها البوصلة المكملة لعملية استطلاع آراء المواطنين، وإذا كان الاستطلاع قد شمل العامة من الناس حزبيين وغير حزبيين، فإن انتخابات المجمعات كانت حزبية خالصة، واستهدفت فى ظاهرها التأكيد على أن قواعد الحزب شركاء فى عملية اختيار المرشحين الذين سيدفعهم إلى الانتخابات، وصدق الأعضاء ذلك فتوجهوا للإدلاء بأصواتهم، ودفع هذا التوجه المتنافسين على الترشيح إلى تنشيط تواجدهم بين القواعد الحزبية، إلى الدرجة التى شعر معها أعضاء الحزب أنهم أطراف مؤثرة بالفعل فى اختيار المرشحين، وكان من السهل أن يصادفك مرشح وهو يمر فى منتصف الليل وآخره أحيانا فى إحدى القرى، وهو متوجه إلى تكتل انتخابى أو عائد من عنده، وبالرغم من أن هذا يعد منحى إيجابيا إلا أنه طبقا لآراء سمعتها من كثيرين من هؤلاء القواعد، كان ينقصه الحديث فى إقناع الأعضاء بالفوز بأصواتهم طبقا لبرامج انتخابية حقيقية حتى لو كانت محلية، وكانت المسألة تدار بأسلوب التربيطات الانتخابية، ورغم كل هذه المآخذ فإن الأسلوب فى حد ذاته كان يشمل إيجابيات ملحوظة لو تم تطويرها فيما بعد من الممكن أن تعطى نتائج إيجابية، وفى هذا السياق يأتى السؤال أيضا: لماذا لم تتبع باقى أحزاب المعارضة مثل هذا الأسلوب الذى يؤكد للرأى العام أنه طرف أصيل فى اختيارات المرشحين؟. يدخل فى هذا السياق أيضا تشديد الحزب الوطنى على الذين لم يشملهم الاختيار بعدم الترشيح كمستقلين، واتبع الحزب فى ذلك إجراءات مشددة مثل التوقيع على تعهدات بعدم ترشح كل من لا يشملهم الاختيار كمستقلين، وكذلك سحب البطاقات الشخصية لكل المتنافسين إمعانا فى عملية الضبط، وقد يرى البعض أن هذا سلب لحقوق دستورية تدفع كل من لديه الرغبة فى الترشيح إلى أن يخوض التجربة، لكن يمكن الرد على ذلك بالقول إن الأحزاب القوية تكتسب هيبتها من الالتزام الحزبى الصارم، وعمت الانشقاقات التى تؤثر على الحزب بشكل عام، ومن لا يعجبه مسار حزبه فليتقدم باستقالته، ليبحث له عن مجرى حزبى آخر، أو التقدم للترشيح منذ البداية كمستقل، أما أنه دخل فى عملية السباق طبقا لانتخابات داخلية فعليه الرضا بالنتيجة التى قد تأتى ضده، وكل ذلك يعد نتيجة طبيعية لنظام الانتخابات بالأسلوب الفردى، والعلاج الجذرى يأتى بتعديل النظام الانتخابى إلى الانتخاب بنظام القائمة النسبية التى تقضى على حالة التمرد الفردى ليس فى الحزب الوطنى فقط وإنما فى كل الأحزاب الأخرى. المؤكد أنه بعد ظهور أسماء مرشحى الحزب الوطنى سيشكك الذين لم تشملهم عملية الاختيار، وسيقول بعضهم إنه حصل على أعلى الأصوات فى المجمع الانتخابى، وإنه حصل على أعلى نسبة فى الاستطلاع، ومع الوضع فى الاعتبار أنه غضب مشروع، نقول ماذا لو كان الحزب قد أعلن نتائج كل خطوة أولا بأول، بمعنى الإعلان عن نتيجة الاستطلاع، ثم الإعلان عن نتيجة المجمع، أظن أننا كنا بهذا الأسلوب سنشهد تطورا فى الأداء الحزبى للحزب الوطنى ربما يتبعه تطور فى أداء الأحزاب الأخرى.