نعم، نحن فى احتياج ماس لاستعادة الحلم المصرى. رد الفعل الفورى والعفوى للكثيرين سيكون عن أى حلم تتحدث؟ ألا ترى ما نحن فيه من ضيق واختناق فى الحال والرزق؟ هنا تكمن أم مشاكل المجتمع المصرى الذى كف عن البحث عن حلم يجمع تحت رايته جماعة المصريين على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم، وكل الصخب المستعر فى مصر يدور حول أسعار الطماطم والكوسة، واختفاء الرغيف المدعم، وجنون اللحوم، وغيرها وغيرها من الهموم اليومية. ومع عدم الاستهانة والتحقير من قيمة وأهمية تلك الجوانب، فإنها لا تعدو كونها أمورا هامشية بمقدورنا بقدر ضئيل من الجهد والمثابرة التغلب عليها وحلها، شريطة إن نتصدى لها فعلا وليس قولا، لكن وسط سخونة الحوارات الدائرة عن انتخابات مجلس الشعب والديمقراطية والتعددية الحزبية وتداول السلطة والأسعار وخلافه، أين موقع الحلم المصرى؟ لن تعثر عليه، لأن كل ما سبق ليس سوى أمنيات وتطلعات شخصية توظف لأغراض غارقة فى الشخصنة للفوز بمقعد تحت قبة البرلمان أو تزلفا للحكومة ولحزب ما لاختياره لشغل منصب مهم، بل إن الذين بح صوتهم على شاشات الفضائيات من كثرة حديثهم عن الديمقراطية، هم أول من ينتهك قواعدها ولا يلتزم بأصولها وشروطها. وحتى لا ندور فى دائرة مفرغة ويكون للكلمات وللكتابة منفعة حقيقية، سنحاول الإجابة عن التساؤل الآتى: كيف نستعيد الحلم المصرى ونحوله لواقع ملموس معاش ودائم وليس سرابا يحلق فى الأفق البعيد ولا تطاله أيدينا الممتدة إليه؟ فى المستهل دعونا نتفق على أن المصريين يفتقرون للإحساس بالسعادة، وما عليك سوى تأمل وجوه الناس فى الشارع لتكتشف أنها خاصمت السعادة منذ زمن، أعلم أن البواعث المحفزة على القلق والاكتئاب كثيرة ولا تتوقف، ولكن إن ظللنا أسرى وعبيدا لها فلن ننجز شيئا، ومن يعد بذاكرته للوراء قليلا فسيجد أن الطبقة المتوسطة فى مصر كانت تعانى دوما، ومع هذا لم تكن وجوهم تعيسة مثلما نراها اليوم. الأفدح أننا كأفراد قصرنا أحلامنا كلها فى نواحٍ تتصل بالمأكل والمشرب، ونكرر جملة "يا عم خلينا نحلم على قدنا"!! يا عزيزى ما المانع أن تحلم بما هو أزيد، وأن توسع نطاق طموحاتك وأمالك؟ يرتبط بذلك أننا نتكلم أكثر مما نعمل ونشتكى على طول الخط ويحركنا شعور التمرد على كل ما يحيط بنا، فأنا وأنت نلقى بالقمامة فى أى مكان لاعتقادنا بأن الحكومة مقصرة فى واجباتها نحونا، وهى كذلك، حتى اعتدنا وتألفنا مع القبح الذى بات قرينا لنا لا نطيق الابتعاد عنه، وإن شاهد بعضنا لمسة جميلة هنا وهناك فإنه لا يهدأ قبل تشويهها، وصور تمردنا بعذر وبدونه أكثر من أن تحصى فى هذا الزاوية المحدودة المساحة، وواجبنا يحتم أن نقلل من نبرة التمرد ونستبدلها بطاقة خلاقة خدمة للصالح العام، فلو وضعت على سبيل المثال فى اعتبارى أن الشارع الذى ألقى فيه الزبالة يعوق سير زوجتى وأولادى وجيرانى لفكرت مئات المرات قبل إلقائها عشوائيا فى غير مكانها المخصص. أيضا نحن مطالبون كمواطنين وكحكومة بعدم التسويف فى مواجهة المشكلات والأزمات، والتعاطى معها بطريقة المسكنات بدون التفتيش عن جذورها لوضع حد لها، وكم كان قدر اندهاشى، حينما رجعت لمجلات مصرية صادرة فى الأربعينيات من القرن الماضى، ووجدتها مليئة بموضوعات عن أكوام القمامة المكدسة فى الشوارع والحارات، والمسامير وبقايا الحشرات الموجودة فى رغيف الخبز، وسعر الكتاب الجامعى وغيرها من القضايا التى ما زالت تؤرقنا، وما من تفسير منطقى لهذه الظاهرة العجيبة سوى أن المجتمع آنذاك فشل تماما فى إيجاد حلول لها وفضل إبعاد الكرة عن ملعبه للجيل التالى لمواجهتها، وكررت الأجيال التالية نفس النهج إلى أن وصلت إلينا. ما سوف يزيد دهشتك أننا نحاول تطوير ميدان رمسيس منذ قيام ثورة 1952 ولم نفلح بعد إلى أن بلغنا مرحلة التفكير فى الاستعانة بجهة أجنبية لإنجاز هذه المهمة العسيرة على قدراتنا وإمكاناتنا. إن استعادة الحلم المصرى تستلزم ترك فسحة لكى يتنفس الحجر والبشر، فالديمقراطية لن تترسخ طالما أننا نحجر على الآراء وحرية التعبير، وألفت الانتباه أننا غير قادرين على التحلى بروح المغامرة بترك صناديق الانتخابات أمانة فى يد الناخب يختار بواسطتها من يرغب، وإن أحسن وأجاد كان مستحقا لنيل ثقته مرة ثانية وثالثة، وإن كان العكس يحرم من ثقة الناخبين، وبدون لف ولا دوران فأنا لا أبغى بكلامى تجربة خيار منح السلطة للجماعات الدينية كالإخوان المسلمين، وإنما أن نخرج جيلا سياسيا جديدا، بغض النظر عن سنه، باستطاعته رسم حلم جميل لبلدنا يشارك الكل فى تحقيقه، وألا يتحول الوطن لبقرة حلوب لنفر من المنتفعين والانتهازيين.