ينتاب العامة من المصريين يأس يقابله أمل دائم فى خير يأتى من عند الله. وبالمثل فإن نخبة من المصريين ممن ينظرون لمصلحة الوطن العليا بطريقة تسمو على التواؤم مع ما يجرى لمجرد تهيئة الظروف لمصلحة شخصية أو لراحة بال من جهد أو متاعب، هذه النخبة ينتابها نفس اليأس وبدرجة قد تشتد فهما لظروف مصر الحالية والمتوقعة. لاشك أن مصر بما وصلت إليه الآن من عشوائية فى إدارة شئون المجتمع والتى تتضح آثارها جلية فى كم الارتباك الموجود على الساحة وفى تشكك الشعب بل وعدم تقبله لكل ما يخرج عن سلطة الحكم، فإن هذا ينشئ وضعاً متشابكاً اختلط فيه الحابل بالنابل مما يجعل مجرد التفكير فى الإصلاح عصيا. لقد أفرزت هذه العشوائية مجتمعا يتبنى قيما هى أشد ما يناقض قيم النهضة، كما تجثم على صدر هذا المجتمع سلطة لها مخالب تنشبها لتستمر جاثمة، هذه الصورة هى بلا شك محبطة لكل من ينشد تغييرا من أجل نهضة مصر. فى نفس ظروف الإحباط الذى يحتويه الشعب باللجوء إلى الله، فإن النخبة تحاول أن تستدل على بصيص الضوء الذى يحيى مصادر الأمل فيما يحيط بنا من غيوم. الشعب منفصل تقريبا عن قيادته وحكومته ويتبنى هذا الشعب الحل الفردى فى التعامل مع حياته، فلا يدين بالولاء إلا لنفسه انطلاقا من قناعته بأن أمره لا يهم أحدا، ترك السلطة الحالية كل شىء للعشوائية فباركت الوضع الناشئ عن ذلك وتركت الشعب ليؤسس حياته بناء على تلك العشوائية، فأصبحت فى جانب وأصبح كل مواطن وحدة فى جانب آخر، تأكيدا، فإن هذا وضع لا يمكن أن تنشأ عنه نهضة أبدا، بل هو وضع معوق لها تماما. تزداد حياة المصريين صعوبة، وفى هذه الظروف يسقط العقد غير المعلن منذ أوائل خمسينيات القرن الماضى بين الشعب والسلطة وهو العقد الذى أدى إلى انفصال الشعب عن الحياة السياسية وقبوله التزوير فى الانتخابات وتخليه بالتالى عن حقه فى المشاركة فى حكم نفسه ومراقبة حكامه بإصرار، بمقتضى هذا العقد فإنه لقاء لقمة العيش كان على المصريين أن يسكتوا ولا يتمردوا ولكن هذا العقد يسقط. ظروف هذا السقوط هى أكبر وأعقد من أن يستطيع الحكم وآلياتها التحكم فى تدهورها. المصريون غير راضين اليوم عن حياتهم وبالتدريج ستتحول نسبة متزايدة منهم إلى الإعلان عن الرفض وهو ما سيجعلهم حتى بدون إدراكهم مشاركين فى الحراك السياسى الذى يعلو فى مصر كل يوم على التوالى. الأمل لا ينقطع فى عيون تلك النخبة من المصريين الذين يطمعون فى نهضة حقيقية لهذا الوطن وكرامة لكل مصرى على أرضه، هذا الإصرار على الأمل وبذل الجهد لتحقيقه هو فى حد ذاته القاعدة الصلبة التى نراهن عليها جميعا كتيار التغيير، مبعث الأمل أيضا هو هذا التصاعد المتوقع فى حراك المصريين ومشاركتهم مع النخبة فى المطالبة بالتغيير من أجل الدفاع عن حقهم فى الحياة. بالمثل فمبعث الأمل فى حالة تبنى ديمقراطية حقة هو فى تخلى الشعب عن الفردية والانعزالية وتبنيه لروح جديدة وفتية من أجل نهضة مصر، وهذا وحده كفيل بالتأسيس لهذه النهضة بكل قوة. إن مشاركة الشعب بدأت وستتزايد والنتيجة حتمية وهى تصاعد الضغط الشعبى إلى مستويات سترغم السلطة على الإذعان لمطالب الديمقراطية الكاملة والحكم الشفاف. إن المستقبل القادم قريبا يحمل ما يكفى للمطالبين بالتغيير ليتمسكوا بالأمل فى إحداثه ولكن لابد أن يكون تيار التغيير مستعدا ساعتها بالتماسك ووضوح الرؤية. * أستاذ بطب القاهرة.