بينما تعيش قرى ومدن مصر كافة حالة من التفاعل السياسى، على وقع الدعاية المبكرة لانتخابات مجلس الشعب المقبلة، والمقرر إجراؤها أول نوفمبر المقبل، يستعد المصريون أيضا للاحتفال بمرور عشر سنوات على أهم حدث بشرى فى مصر الحديثة، وهو السحابة السوداء. ومع اقتراب الخريف من نهايته، وبدء الشتاء تتجمع سحب الأدخنة السوداء الناتجة عن حرق قش الأرز فى السماء، لتشكل ظاهرة فريدة، تكاد تكون غير موجودة فى أكبر بلدان العالم تلوثا. ومنذ ظهور ظاهرة السحابة السوداء، عقدت عشرات المؤتمرات، وأجريت مئات البحوث والدراسات، وكتبت آلاف المقالات، ونوقشت السحابة فى مئات البرامج التليفزيونية، ومع ذلك تظل السحابة موجودة فى السماء، تخرج لسانها، وكأننا أحضرنا العفريت، لكننا لا نعرف كيف نصرفه. ويقول العلماء إن هناك طرقا عدة للاستفادة من قش الأرز، سواء فى توليد الطاقة أو صناعة الورق، وغيرها، بمعنى أن ما نحرقه من قش يمكن أن يتحول إلى موارد اقتصادية كبيرة تعود بالنفع على المزارعين والصناع على حد سواء، لكن الاقتراب من هذا الملف ومعالجته صناعيا لا يزال خجولا جدا. ولأننا سنحتفل شعبيا بعيد ميلاد السحابة السوداء، وبما تسببه من تلوث، وأمراض تصيب الجهاز التنفسى للإنسان، مما يعرضه لخطر الأمراض السرطانية القاتلة، فلا بد أن تشاركنا حكومتنا السنية فى هذا الاحتفال. واقترح على وزارة البيئة بهذه المناسبة القومية المهمة استباق الاحتفال الشعبى بإطلاق أسبوع للسحابة السوداء، يشارك فيه وزير البيئة وكبار المسئولين بالوزارة والمحافظون، وهم يرتدون ملابس مصنوعة من قش الأرز المشبع بالبنزين، بينما يشعل المواطنون النيران فيهم، قربانا للسحابة السوداء، كما كان يفعل الفراعنة القدماء حين يلقون بأجمل فتياتهم فى النيل وفاء لهذا النهر العظيم. ولأن ديننا الإسلامى والمسيحى يمنع حرق الناس، فأقترح تقليد الاحتفال الشعبى الذى يجرى فى بورسعيد سنويا لحرق دمية من القماش ل "اللنبى"، وهو تقليد بدأ بعد ثورة 1919 حين أمر اللنبى جنوده بتصويب المدافع على المتظاهرين من التجار والفحامين والأهالى الذين شاركوا فى الثورة بمظاهرة تطالب بسقوط الاحتلال وطافت بشارع محمد على الذى يفصل بين حى "العرب" وحى "الإفرنج" الذى تتمركز فيه الشركات الأجنبية والبنوك والثروات الأوربية وشركة قناة السويس، فسقط العديد من الفدائيين شهداء. وفى هذه الذكرى من كل عام يحرق البورسعيدية دمية اللنبى، تعبيرا عن كراهيتهم له، ونحن أيضا نريد حرق دمى كل مسئول عن السحابة السوداء فى عيدها، وربنا يعطينا ويعطيكم الصحة والعافية لحضور اليوبيل البرونزى للسحابة السوداء بعد 15 عاما!