رغم أننى اتفق إلى حد كبير مع ملايين الآراء والأصوات التى خرجت لتبدى تعجبها من غياب المتعة عن مونديال 2010، فإننى فى نفس الوقت لست مندهشا من ذلك بل أراه متوقعا فى ظل التطور السريع فى عالم كرة القدم ومستويات جميع الفرق وخطط اللعب وفكر المدربين، وغيرها من الأسباب التى قد تنتفى معها الكرة الممتعة التى تعودت عليها الجماهير المتابعة للمونديال عبر تاريخه. وبالنظر إلى مستويات المنتخبات المشاركة فى مونديال 2010 والنتائج التى تحققت فى البطولة التى تلفظ أنفسها الأخيرة، فإنها حملت العديد من المفاجآت التى وصلت إلى حد المعجزات، غير أن هذه المفاجآت تبدو منطقية ومتوقعة ومتزامنة مع التطور الرهيب للمنتخبات والكرة الحديثة التى تتسم ب«الإيجابية» والرغبة فى إدراك الفوز بغض النظر عن «المتعة». فعلى سبيل المثال، منتخبات أمريكا الجنوبية المشاركة فى المونديال قدمت مستويات أكثر من رائعة نالت إعجاب وإشادة الجميع بغض النظر عن منتخبى البرازيلوالأرجنتين صاحبى الشعبية الكبيرة وأقوى المرشحين دائما للقب، حيث ظهرت منتخبات الأوروجواى والباراجواى وتشيلى والمكسيك بشكل مشرّف للغاية فى البطولة، رغم أنهم لم يقدموا كرة «ممتعة»، ولكن السبب فى نظرى هو لأنهم قدموا كرة «إيجابية» تعتمد على اللعب من أجل الفوز، وأن تصل إلى مرمى المنافس وتسجل أهدافا من أقصر الطرق. فهذه الكرة «الإيجابية» التى يطلق عليها البعض الكرة الحديثة، تعتمد على الوصول إلى المرمى والفوز وتحقيق الهدف بأيسر الطرق وبأقل مجهود فنى وبدنى، سواء عن طريق الأداء الجماعى أوالهجمات المرتدة أوالمهارة الفردية، بمعنى أنك إن لم تفز بأداء ممتع، فيمكن أن تحقق الفوز بالأداء الإيجابى. فمثلا المنتخب البرازيلى، ظل يلعب منذ 1970 وحتى 1994 كرة جميلة وممتعة إلا أنه لم يفز طوال هذه الفترة بأى بطولة، لأنه من الصعب أن تجتمع دائما الكرة الممتعة والفوز، ولكن جاء بعد ذلك كارلوس ألبيرتو بيريرا، المدرب البرازيلى الشهير، ليهتم بالجانب البدنى ومعدلات اللياقة البدنية والأداء التكتيكى فى الملعب وكيفية الفوز من أقصر الطرق «أى أنه اهتم بالكرة الإيجابية على حساب الكرة الممتعة» ومعها بدأت البرازيل فى حصد البطولات، إلا أنها فقدت فى المقابل الكرة الجميلة. وما يؤكد هذا الكلام هو المنتخب الإسبانى الذى أعتبره الوحيد الذى مازال حتى الآن يقدم الكرة الجميلة، لذا فهو يفوز بالعافية وبأقل عدد من الأهداف، بعكس الأرجنتين التى تمتلك أفضل لاعب فى العالم حاليا وهو ليونيل ميسى، وهو اللاعب الوحيد الذى يجيد صناعة الأهداف وتسجيلها أيضا، ولكنه اضطر للتخلى عن تسجيل الأهداف والالتزام بواجبات معينة داخل الملعب ليتيح لزميله هيجوين تسجيل الأهداف، مما أدى لفقدان الأرجنتين جزءا كبيرا من كرتها الممتعة فى سبيل الكرة «الإيجابية» التى تقود إلى الفوز فى النهاية، لذا فالمنتخب الأرجنتينى يعتبر الأفضل حتى الآن فى البطولة بغض النظر عن فوزه باللقب من عدمه. أما عن منتخبى إيطاليا، حامل لقب النسخة الأخيرة وفرنسا الوصيف، والخروج المبكر لهما من البطولة، وتحديدا من الدور الأول، فلم يكن غريبا، ففى رأيى أن المدرب الإيطإلى مارشيللو ليبى الذى قاد الفريق للفوز بلقب النسخة الأخيرة للمونديال بعد غياب 24 عاما، أخطأ عندما عاد لقيادة إيطاليا فى مونديال 2010 لأنه بلا شك سينخفض منحنى الفريق تدريجيا فى الوقت الذى لن تتقبل فيه الجماهير الإيطالية أى شئ من ليبى غير الكأس، وأى شئ غير ذلك سيعتبر إخفاقا حتى لو وصل الفريق إلى المباراة النهائية، لذا كان من الأفضل أن يتولى مدرب آخر المهمة وزن يضع الإيطاليون كأس العالم 2006 ومعها ليبى فى «برواز» خاص لتخليد هذه البطولة. ويتشابه الحال مع المنتخب الفرنسى، فالمدرب ريمون دومينيك الذى أخفق مع الديوك االفرنسة فى هذا المونديال، هو نفسه الذى قادهم من قبل إلى لقب الوصيف فى النسخة الماضية، وكان على الاتحاد الفرنسى أن يبحث عن مدرب آخر لقيادة الفريق فى مونديال 2010 خاصة أنه قبل انطلاق المونديال كانت هناك خلافات بين المدرب وبعض اللاعبين إلى جانب بعض الأزمات الخاصة بمعسكر الإعداد، لذا كان من الأفضل تغيير المدرب بدلا من الإعلان عن رحيل دومينيك بعد انتهاء المونديال أيا كانت النتائج وتعيين لوران بلان بدلا منه، وهو ما كان له أثر كبير فى نفوس اللاعبين بعد تأكدهم من رحيل دومينيك مهما كانت الظروف.