"سليم لا تكسر ومكسر لا تأكل وكُل لما تشبع" مثل مصرى كوميدى شائع يعبر عن حال الجائع الذى يضع ضيفه الطعام أمامه ويدعوه إليه ويطالبه بالمحافظة على الرغيف فلا يقطعه وفى ذات الوقت لا يأكل الأجزاء المقطوعة وله أن يأكل كما يشاء!! وهذا تقريبا هو حال المواطن العربى مع أنظمة حكمه السياسية وأجهزة إعلامه الصحفية. فأنظمة الحكم تدعى الديمقراطية وتملأ الدنيا صخبا وضجيجا تدعو مواطنيها لممارستها ولكن الترشيح مقيد.. والممارسة مشروطة.. والحركة محظورة.. والإضراب مخالف.. والتغيير ضار.. والتوريث ضرورة.. ومارسوا الديمقراطية كما تحبون!! وأجهزة الإعلام والصحف تدعو الكتاب للكتابة بحرية وتنوه فى جميع صفحات الرأى أن ما ينشر على مسئولية كاتبه ولا يعبر عن رأى الصحيفة وأنها تؤمن بحرية التعبير وحق النقد ولكن تطالب الكاتب ألا يتحدث عن ظلم الحاكم أو اضطهاد المحكوم، فالحديث عن استبداد الحكم وفشله ممنوع والكتابة عن معاناة الشعب ورفضه غير مسموح بها.. واكتب كما تشاء فالشعار المرفوع "الديمقراطية نظامنا وحرية التعبير هدفنا". وعادة ما يكون لرئيس التحرير محاذيره الخاصة التى يضعها فى دائرة صغيرة ثم تتسع الدائرة قليلا لتشمل محظورات مالك الجريدة ثم تتسع أكثر من أجل قانون المطبوعات والنشر وتصبح هلامية تحتوى على العادات والتقاليد، وفى النهاية تنفتح الدائرة تماما ليصبح الحديث عن أى شىء ممنوع تماما بدعوى عدم الإساءة إلى أنظمة الحكم والحكومات الصديقة فحذار ثم حذار من المساس بالأصدقاء. والجانب الآخر فى هذه الكوميديا أن هناك دائما الرجل الثانى الذى يُسمح بانتقاده والهجوم عليه بديلا للرجل الأول وهذا الرجل الثانى يمكن التضحية به عند اللزوم وتركه يواجه سهام النقد والتجريح فهو مثل الكارت المحروق فى لعبة الورق، وعلى سبيل المثال –لو سُمح لنا- فرئيس النظام فى بلد ما لا يمكن انتقاده، أما رئيس وزرائه فلا سيادة تحميه بل يتم الترحيب من قبل الأجهزة الحكومية بذلك وهذا ما نراه واضحا فى مصرنا الغالية، حيث يتعرض رئيس الوزراء لانتقاد وهجوم شديدين من خلال برامج "التوك شو" ومقالات الكتاب المعارضين تماما كما تعرض من قبل د/ عاطف صدقى رحمه الله، ود/ عاطف عبيد وغيرهما طوال الثلاثين عاما الأخيرة، أما الرجل الأول والمسئول عن اختيار هؤلاء جميعا وهو الذى يرسم لهم خططهم ويحدد خطواتهم وحديثهم فغير مسموح بانتقاده أو رفضه! وفى الصحافة تجد وضعا مشابها فقد يغضب بعض الكتاب من رئيس التحرير ويعتبون عليه لمنع نشر مقالاتهم ويتهمونه بعدم تقبل الرأى الآخر ويتبدل رئيس التحرير أو ينتقل الكاتب لجريدة أخرى ويستمر الوضع كما هو ولا يجرؤ أحد على انتقاد الرجل الأول. وبالرغم من كل ذلك لا يمل الجميع من الحديث عن الديمقراطية السياسية وحق المواطن فى الاختيار وعن حرية التعبير الصحفية وحق الكاتب فى طرح ما يشاء من أفكار. إنها الكوميديا التى يعيشها المواطن العربى ولكنها كوميديا سوداء لا تضحك أحدا بل تُبكى العقلاء والأمناء على مستقبل شعوبهم وحق قرائهم. *** نعم للبرادعى وتعديل الدستور لا للفساد والاستغلال والتوريث.