فى ظل مشهد تسوده العبثية والعشوائية، ما بين نخبة سياسية متخبطة تثبت فشلها الذريع يوماً بعد يوم، وأحزاب كرتونية هشة لا تمتلك أى قدرات تؤهلها لأن تكون رقما فى المعادلة السياسية أو تكون بديلاً وطنيا يملأ الساحة السياسية، وما بين مجموعات انحرفت عن المسار الثورى الوطنى وأصبحت خارج إطار الجماعة الوطنية تخدم أعداء الوطن من الإخوان وغيرهم وتسمى نفسها كذباً ( كيانات ثورية) أو يطلق على أعضائها كذباً أيضاً ( شباب الثورة)، يبقى هناك مجتمع مهدد بالانقسام وبالاختراق كما سبق وتم اختراقه من عدة تيارات حتى وصلنا إلى ما نحن عليه الآن من مجتمع أقل ما يوصف به أنه مجتمع (مشوه) . لا أبالغ حين أقول أن الكل أخطأ والكل ضلَّ سعيه، بسبب عدم الإدراك وأزمة اللاوعى التى أصابت الكثير من المتصدرين للمشهد السياسى والعمل العام بسبب عوامل مختلفة، مما أثر على المجتمع وجعله فى حالة مشتتة، فمن المفترض أن تكون النخبة ( بساستها ومثقفيها وأدبائها ومفكريها) هى طليعة العقل والوعى والضمير الجمعى، وأن يكونوا بمثابة البوصة والمرآة للمجتمع التى توضح لأفراده معالم الطريق وتحميهم من الأفكار المنحرفة والشاذة التى تهدد أمن وسلامة المجتمع،خاصة فى ظل الحرب النفسية التى يتم ممارستها الآن على الشعب المصرى من خلال نشر الأكاذيب والمعلومات المغلوطة المتعمدة وعمليات هدم الثوابت الوطنية وتشويه التاريخ والحقائق والطعن والتشكيك فى كل ما هو وطنى ومرتبط بمفهوم الدولة والوطن . إن الواجب على الجميع الآن فى هذه المرحلة الحرجة والدقيقة من عمر الوطن أن يكون على قدر المسؤولية وعلى مستوى الحدث، وأن يتخلى عن الفلسفة الفارغة والمراهقة الثورية، ويجب على بعض النخبة التى تملأ الشاشات ( ثرثرة ) بالحديث عن الثورة وعن أهداف الثورة، وعن جمال الثورة وحلاوة الثورة، أن تنزل من عليائها ومن أبراجها العالية التى تسكنها، إلى أرض الواقع وتتعامل مع تفاصيله ومعطياته، فلسنا الآن فى رفاهية التحليل والتنظير، لاسيما وأن المواطن الجالس فى منزله سقم من تلك الوجوه المتكررة ونقم عليها، لإحساسه بأنها تشغل وقتاً من يومه دون فائدة تعود عليه وعلى حياته اليومية، وليس لها رأياً متزناً أو موقفاً ثابتاً، فالكل يغنى على ليلاه، والكل هدفه المصلحة الشخصية أو بلغة العصر ( السبوبة) إلا من رحم ربى . لقد أصبح لزاماً على الجميع تحديد الأهداف وترتيب الأولويات وتعبئة المجتمع من أجل مواجهة مخططات العدو الذى أصبح قريباً جداً منا ويحاصرنا من كل مكان، ولن يتحقق ذلك إلى بالتوعية وتوضيح الصورة بشكل صحيح للمواطن البسيط كلاً حسب فهمه وحسب ثقافته، وتحصينه من الانحرافات الفكرية ومن حملات التضليل والزيف والخداع الممنهجة وذلك عن طريق المعرفة فالمعرفة هى زاد العقول والوقاية خير من العلاج، فأصبح معلوماً للجميع بشكل لا يحتمل الشك أن الوطن مستهدف وأن الدولة كلها مستهدفة بشكل خطير، وأننا فى حالة حرب بمعنى الكلمة، حرباً فُرضت علينا ويستخدم فيها العدو كل وسائل وأنواع الحرب من التحريض ومن الخداع ومن حرب إعلامية وإليكترونية ونفسية وأيضاً عسكرية، مما يستوجب أن نكون على نفس الجاهزية القتالية للعدو ونستخدم نفس أسلحته ووسائله لمقاومته وقطع أذرعه التى تعبث بأمن مجتمعنا ووطننا، فلا وقت للحياد أو ( الإمساك بالعصى من المنتصف ) ولا وقت لمجاملات أشخاص أو كيانات أو شباب بأعينهم على حساب الوطن وأمنه، وعلى بعض الراقصين على الحبل، وأصحاب المواقف الضبابية أن يحددوا موقفهم وموقعهم إما أن يكونوا فى صف الوطن أو فى صف الأعداء .