أى ثورة تقوم أو حركة ثورية تنشأ لابد أن تكون معبرة عن آمال وأهداف شعبها، لأنها باختصار تكون قوة الدفع لها، والمحرك الأساسى لمسارها، فلا يمكن أن نتصور قيام ثورة أو حركة ثورية تنادى بأهداف بعيدة كل البعد عن أهداف الشعب، أو تتخذ من أهداف ومطالب وطموحات الشعب "ستارًا" تخفى خلفه نواياها الحقيقية، أو تتحدث بلغة وبنبرة غير لغة ونبرة الشعب أو المجتمع الخاص بها، بل لابد أن يكون هناك انسجاماً وتناغماً بينهما، كما يجب أن يكون لها "مشروع وطنى"، بحيث لا تكون تلك الثورة على حساب الوطن أو ساعية لهدم الوطن أو تمكين أعدائه منه، ويجب أن تتوفر لديها أيضاً قيادة وطنية واعية وحكيمة تتمتع بالروح الثورية الراغبة فى التغيير وأيضاً العقل والحكمة والرشد والصواب، فالفعل الثورى يجب أن يسبقه وعى سياسى وحس وطنى، وإلا يكون فعلاً همجياً تخريبيا. لذا عندما قامت ثورة 23 يوليو العظيمة فى عام 52 بدأت بحركة لمجموعة من ضباط الجيش المصرى "الضباط الأحرار"، كانت هناك أسباب ومقدمات أثرت بالسلب على الشعب المصرى، ومهَّدت لاشتعال الثورة أهمها: الاحتلال الإنجليزى لمصر المستمر منذ عام 1882م، ونقض الإنجليز لوعودهم بالجلاء، وفساد النظام الملكى الحاكم، وضعف وإضعاف إمكانيات الجيش المصرى، التى تجلت مظاهرها فى هزيمة حرب فلسطين عام 48... إلخ. وأعلنت هذه الحركة الثورية عن أهدافها الوطنية التى كانت كلها لصالح الشعب وعلى رأسها إنهاء الاحتلال أو القضاء على الإقطاع والرأسمالية والاحتكار وتحقيق عدالة اجتماعية بين طبقات الشعب وبناء جيش قومى قوى يستطيع التصدى للمؤامرات الأجنبية التى تهدف إلى إعاقة القوة العسكرية المصرية، ومن هنا بارك الشعب هذه الحركة ودعمها بكل قوة وخرجت الجماهير فى الشوارع ابتهاجاً واحتفالاً بالضباط الأحرار وأعلنت دعمهم والالتفاف حولهم لتحقيق مكتسبات الثورة المنتظرة، التى تحققت لاحقاً بالفعل. وإذا انتقلنا لما حدث فى 25 يناير، وبصرف النظر عن "التوصيف الدقيق" للحدث نفسه سواء كان "ثورة" أو "انتفاضة شعبية" فإن الدافع لخروج الجماهير وقتها كان الاعتراض على الحالة المعيشية السيئة والظروف الاقتصادية والاجتماعية المتردية والوضع السياسى المترهل، ولم يكن بمقدور الجيش إلا الانحياز للشعب والضغط على (مبارك) للتنحى حقناً للدماء وإنقاذاً للوطن، لكن بعدها كان هناك فراغ كبير كاد يحدث فى السلطة لعدم وجود بديل حقيقى ولعدم وجود رؤية أو قيادة لتلك الحالة الثورية والانتفاضة الشعبية، فى ظل تعدد الأطراف والكيانات التى تدّعى أنها زعيمة الثورة، ومحركة الجماهير التى تبين فيما بعد ضعف إمكانياتها فى الحشد، ما دفع الانتهازيين من المتطرفين وأصحاب المشاريع غير الوطنية لركوب الموجة، والوصول إلى السلطة فى ظل انتهازية دينية واستقطاب دينى للمواطن البسيط ومساومته على دينه ومعتقده، وفى ظل عدم وجود بديل وطنى لديه قدرة حقيقية على إدارة الوطن، وسرعان ما تساقطت الوجوه التى كانت تدّعى الثورية والوطنية، والتى كشفت عن وجهها الحقيقى وأنها امتداد لتنظيمات دولية ولمشاريع استعمارية وما هى إلا دمية فى أيدى جهات خارجية تعمل من أجل تنفيذ أجندات أجنبية مستغلة الحالة الشعبية الناقمة على الأوضاع فى مصر. وهنا استشعرت كل قوى الشعب المصرى بمختلف فئاته وأطيافه وطبقاته، خطورة الوضع، وأن هناك "وطناً على حافة الهاوية"، ولابد من التحرك لإنقاذه وانتشاله من هذا الوحل، والاستفاقة من هذا الكابوس المظلم المخيف، فبدأ الحراك الشعبى والجماهيرى يظهر فى كل ميادين مصر، والهدف واحد الوطن، وظهرت حملة تمرد التى أسسها بعض الشباب لتلخص الحراك الشعبى فى وثيقة سحب ثقة من رئيس الإخوان، فى خطوة وفكرة إبداعيه قلّل الكثير فى البداية من إمكانية نجاحها وتحقيق هدفها، لكنها بالفعل نجحت نجاح مبهر وأصبحت مصدر إلهام لدول أخرى، حتى أننا وجدنا بعد ذلك حركات معارضة كثيره تحمل اسم تمرد فى دول عربية أخرى، وجاء يوم الثورة المنتظر الذى اتفق عليه غالبية الشعب المصرى وهو يوم (6/30) لتنطلق واحدة من أهم الثورات الشعبية فى التاريخ المعاصر، حيث احتشد الملايين ورابطوا فى جميع ميادين وساحات وشوارع مصر من سيناء لمطروح ومن الإسكندرية لأسوان. وتعالت الصيحات والهتافات مطالبة جيش مصر الوطنى لإنقاذ الشعب والوطن، الأمر الذى لم يقف أمامه الجيش كثيراً حتى استجاب لنداء الشعب وتكلّلت الثورة بالنجاح والنصر، واتفقت جميع القوى الوطنية على خارطة طريق واضحة المعالم والأهداف ولها رؤية سياسية نابعة من حس وطنى عميق.