المغامرة التى خاضها زميلى على عبدالرحمن، فى مستشفى العباسية للصحة النفسية، لقضاء يوم مع المرضى، وتسجيل وقائع يوم فى حياتهم بالمستشفى، تصادفت زيارته مع قرار إدارة المستشفى إقامة معرضا فنيا للمرضى، كل مريض يرسم ويعبر فى لوحة عن واقعه. المفاجأة ألجمتنى، عندما التقى زميلى، مريضة رسمت لوحة، تطالب فيها بمحاكمة مرسى فى محكمة الجنايات بتهمة الخيانة العظمى، كما عنونت لوحتها تحت شعار «ارحل يا مرسى». المغامرة مدهشة وعبقرية، ومسجلة صوتا وصورة، داخل مستشفى العباسية، فالمرضى أظهروا قدرا كبيرا من الموهبة فى الرسم، رغم عدم تلقيهم تعليما فى كليات الفنون الجميلة، وكل مؤهلاتهم أنهم مرضى نفسيون قرروا تحدى مرضهم ونظرة المجتمع المقيتة لهم، فسخروا كل طاقاتهم وانفعالاتهم فى الرسم والتعبير عن مشاعرهم. المرضى النفسيون أظهروا أيضا قدرا عاليا من المشاعر الوطنية، تفوق ما يحمله الأسوياء خارج أسوار المستشفى، من نشطاء وسياسيين وأدعياء الثورية، ويظهر ذلك جليا من خلال لوحتين معبرتين عن الحس الوطنى العالى، الأولى لمريضة رسمت لوحة تعبيرية عن مظاهرات ثورة 30 يونيو التى نادت بعزل محمد مرسى، وكتبت فيها «ارحل يا مرسى»، و«الشعب يريد محاكمة مرسى بتهمة الخيانة العظمى»، ثم علقت على هذه اللوحة فى تصريح لها نصا: «أنا عبرت عن رفضى لحكم الإخوان وأتمنى إعدام مرسى». اللوحة الثانية لمريضة، قررت الدعوة لتنشيط السياحة فى مصر بعد أن أصابها الركود إبان ثورة 25 يناير، فلم تجد إلا الرسم للتعبير عن تضامنها مع الاقتصاد الوطنى المصرى، برسم لوحة عن السياحة فى مصر، وانتشار الأمن والأمان. ربما عزيزى القارئ، يصيبك حالة من الاندهاش، والتعجب من أن هناك مرضى نفسيين داخل مستشفى العباسية أو كما يطلق عليها المصريون «السرايا الصفراء»، أظهروا قدرا من الموهبة فى الرسم، وقدرا أكبر وأعظم من الوطنية، عبروا عنها بالرسم فى لوحات فنية، كما أنتجوا أعمالا يدوية تفوق الإبداع مثل السجاد والأركت. نعم عزيزى القارئ، يمكن لك أن تقولها وتعلنها بصوت جهورى، إنه حتى المرضى التى نصفهم بأنهم مجانين، وأسرى جدران عنابر مستشفى العباسية أو كما يحلو للمصريين أن يطلقوا عليها «السرايا الصفراء»، يرفضون حكم الإخوان، ويطالبون بإعدام مرسى بتهمة الخيانة العظمى، فى الوقت الذى نجد فيه المئات من أصحاب العقول، والمنظرين وعاصرى الليمون يؤيدون الجماعة ويظهرون قدرا كبيرا من التعاطف، ويؤيدون أعمالهم الإجرامية، ويعيشون بيننا ك«عقلاء». إذن هناك حالة من الارتباك، وأخطاء فى المفاهيم، فى توصيف من العاقل ومن المجنون، وتحتاج لمراجعة وتصويب طبى حقيقى وعاجل.