اعتبر الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولى عهد مملكة البحرين، أن هناك حاجة ماسة لفهم طبيعة الخطر المحدق بسبب الإرهاب الذى ذاع صيته واتسعت رقعة انتشاره وتصاعدت حدة جرائمه، وذلك لضمان النجاح فى عملية مواجهته، واستئصال شأفته، مشيرا إلى أن عالم اليوم لم يتمكن وحتى اللحظة وبعد مرور قرابة ال15 عاما على انطلاق الحرب ضد الإرهاب من فهم وهزيمة هذا الخطر الماحق، الذى وصفه ب"العدو المشترك"، وما أوجده من ممارسات لا إنسانية، وما أحدثه من اعتداءات نالت من البشرية عامة والدين الإسلامى الحنيف والمؤمنين به فى شتى أنحاء الكرة الأرضية بشكل خاص. وأكد فى مقال له نشرته صحيفة "ديلى تليجراف" أنه إذا أراد العالم الوقوف على هذا التهديد الصارخ الذى يشكله الإرهاب، والآخذ بالتصاعد فى الأفق العالمى، فإنه مطالب اليوم وقبل أى وقت آخر بتوسيع مدارك فهمه لتعريف وفهم هذا الخصم وتحديد أبعاد خطره كاملا، سيما مع تزايد جرائمه الوحشية ضد الأبرياء والصحفيين وعمال الإغاثة" وغيرهم، وذلك فى إشارة لحادث الاعتداء الأخير بكوبنهاجن وقتل الطيار الأردنى الباسل الملازم أول معاذ الكساسبة رحمه الله، فضلا عن العمال المصريين بليبيا. وذكر أن الإرهاب ما هو إلا "أداة لمعتنقى الأيديولوجيات المنحرفة، وأن العالم لا يحارب إرهابيين فحسب، وإنما يحارب "ثيوقراطيين" تدثروا برداء الدين، وهو منهم براء، معتبرًا أن ما أسماه بالمواجهة والحرب الجارية ضرورة لا بد منها ضد "هؤلاء الذين يحاولون اختطاف الأديان وفرض إرادتهم على المؤمنين بها"، واصفا إياهم بأنهم "يشترون الضلالة بالهدى، ويحيدون عن النهج القويم والتعاليم التى نؤمن بها كى يبلغوا غاياتهم الخاصة" ويضمنوا تحقيق مصالحهم الفئوية الضيقة. وأضاف "لو بدأنا بإدراك أننا فى سياق حرب مع الثيوقراطيين"، فإنه سيكون من السهل "المباشرة فى وضع خطط عسكرية وسياسية واقتصادية وحتى اجتماعية للتصدى لهذا التهديد، معاً، كما فعلنا فى الماضى مع التهديدات الأخرى"، لافتا إلى النجاحات التى حققها العالم المعاصر فى القرن الماضى، وذلك بعد أن "واجه سلسلة من التهديدات المختلفة كالفاشية والشمولية الاستبدادية والشيوعية وما صاحبها من حرب باردة تم التصدى لها بنجاح، وذلك بعد دراستها كمفهوم واضح، وتشخيصها كأيديولوجيات يجب مجابهتها" جماعيا وعلى أسس راسخة. ودعا فى مقاله إلى ضرورة الاتفاق على "كيفية تعريف الأيديولوجية الجديدة لخطر الإرهاب، وذلك من أجل الوصول لجوهر المشكلة التى نواجهها"، حيث "لم يتم التعامل مع ما تمثله الجماعات الإرهابية بصورها وأشكالها المتعددة، الحالية منها والمستقبلية، من تهديد بأسلوب ممنهج، فجاءت الخطوات التى تم اتخاذها دون فهم وتقييم استراتيجي، ومن ثم لم يتم تحجيمها بفاعلية"، مبينا أن "هذه الجماعات تريد السيطرة على عقول الناس والتحكم بها"، واصفا إياهم بأنهم "يعزلون أنفسهم ولا يضعون أى اعتبار للعقود الاجتماعية التى تأسست بين المجتمعات ويضطهدون المرأة ويرتكبون المجازر لتصفية من يخالفهم ولا يوافق أو ينتمى إلى أيديولوجياتهم المنحرفة، والأسوأ من ذلك أنهم يهيمنون على أتباعهم بقوة الفتاوى الدينية، ساعين بذلك إلى تقييد المنطق والعقلانية فى محيطهم". ورأى أن هذه الجماعات الإرهابية تقترن لديها فكرة "الأيديولوجية الدينية والحكم بقوة السلاح دون أسس قانونية"، ويدعم ذلك "المكاسب التى يحوزونها من أنشطتهم الإجرامية، والتى يتم تسخيرها لصنع كيان حكم مبنى على الوهم ليواصلوا فرض سطوتهم وإرادتهم على الشعوب ومكتسباتها"، مشيرا إلى أن أعضاء هذه الجماعات "انتهازيون يستغلون الفوضى الاجتماعية والسياسية لمنح المُضَللين والمهمشين إحساسا بالقيادة والهدفية". وقال "إن التاريخ سيحكم ما إذا كانت أحداث الشرق الأوسط المتأزمة عام 2011 تماثل أحداث برلين عام 1989 أو بتروغراد عام 1917"، وإنه "عندما يكون هناك فراغ بسبب انهيار مؤسسات الدولة، تأتى هذه الأيديولوجيات المتطرفة لتجد لنفسها الثغرة الملائمة لفرض سيطرتها ونشر رسائلها الأيديولوجية عبر عدد من القنوات التقليدية والمستحدثة"، موضحا أن هناك "قنوات فضائية فى الشرق الأوسط لا تعترف بالقيود والقوانين المعمول بها فى النظم الغربية، ويحمل بثها تأثيراً أكبر من تأثير الإنترنت، وهم ينقلون عبرها رسائل متواصلة تنشر التعصب والأفكار المسمومة التى يلتقطها البعض". وأردف أنه "بينما نسعى لتنظيم النواحى الفكرية والعملية والقانونية للأنشطة الإعلامية وحرية الإعلام الإلكترونى، نجدهم يستخدمون هذه المنصات بلا هوادة لزرع الكراهية وعرض أوجه الشر"، مؤكدا "إننا نواجه عدواً يستفيد من أدوات العالم الجديد فى مسعاه لتكريس تركة مفاهيم القرن السابع عشر، ولذا لن نتمكن من مجابهتهم باستخدام الوسائل القديمة لوحدها، بل بإيجاد منظومة جديدة من الخطوات العملية على النطاقين الحديث والتقليدى". وتابع قائلا "هناك ضرورة لإعادة النظر بشكل ممنهج وشامل ومتعمق فى طبيعة هذا التهديد، وتركيز جهودنا نحو تحقيق هدفنا المشترك بالتفعيل الاستراتيجى لمواردنا مجتمعة"، وذلك كى "نتمكن من محاسبة هذه الأيديولوجيات الإجرامية التى تضع نفسها فوق مستوى البشر بادعاء أن لديها تفويض إلهى لممارسة الحكم على أسس خاطئة"، مذكرا ب"أننا سنواجه لفترة طويلة هؤلاء الثيوقراطيين الهمجيين الذين لا ينتمون لعصرهم، وأن الخطوة التالية التى يجب أن نهدف إليها هى أن نفهمهم بشكل واضح وأن نكشف حقيقتهم". وخلص ولى العهد إلى أن "مد هذه الجماعات سينحسر وسيعود"، مؤكدا أنه فى غضون ذلك "لا يجب أن نغفل عن محاربة وهزيمة الأيديولوجية التى يستندون إليها، والتخلى عن مسمى "الحرب على الإرهاب"، وتركيز جهودنا على مجابهة تصاعد هذه الثيوقراطيات الفاشية الآثم".