يوصف الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى بلاده ب"بطل هذا الزمان"، وتظل شخصيته مادة صالحة للكتابة بصورة متجددة، لأن تاريخ الرجل هو تاريخ روسيا الحديثة، لقد جاء "بوتين" فى وقت كانت عيون العالم جميعا متطلعة صوب "السقوط العظيم" الذى سيلحق بروسيا خاصة بعد الأداء المخزى ل"جرباتشوف" والدور الباهت ل"يلتسن"، لذا كان مجىء رجل قوى بعد أزمات اقتصادية وقضايا فساد متكررة وانعدام ثقة وأعداء غربيين متربصين بمثابة "الإنقاذ" الذى يحفظ توازن روسيا بل والعالم أجمع، لذا جاء كتاب "بوتين.. صراع الثروة والسلطة" للكاتب الدكتور سامى عمارة، ليفتح أفقا جديدة عن بوتين وتاريخه السياسى والقضايا التى واجهها، وعن إرادته وعزيمته ووفائه ووطنيته. ربما الشيئ الوحيد الذى يحمد ل"يلتسن" أنه فى عام 1999، بينما كان يجلس خلف مكتبه الفخم، وبوتين يجلس أمام المكتب معتدا بنفسه دون إفراط، تحدث "ياتسن" فى بطء: - لقد اتخذت قرارا يا فلاديمير وفيتش "بوتين" وأطرح عليكم منصب رئيس الحكومة. - سأعمل حيثما تريدوننى أن أعمل بهذه الكلمات المقتضبة أوجز بوتين موقفه. - وماذا عن أعلى المناصب؟! تردد "بوتين" فى الإجابة على نحو بدا معه، كأنه أدرك لأول مرة حول أى المناصب يدور الحديث. - لست أدرى يا بوريس نيكولايفيتش "يلتسن"، لست أعتقد أننى مستعد لتقلد مثل هذا المنصب. - عليك التفكير فى ذلك، إننى أثق فيك. ران على المكان صمت ثقيل لم يكن يقطعه سوى صوت حركة بندول الساعة. ومع هذا لم يتسامح "بوتين" مع قول "يلتسن" فى إحدى زياراته ل"تتارستان": "خذوا من السيادة والاستقلال ما تستطيعون أن تبتلعوه"، كان "بوتين" مدركا أن هذه الحركات الاستقلالية سوف تصبح وتدا يدق فى قلب الدولة الروسية. الكتاب يفتح العلاقة بين "بوتين والتاريخ" يثير كثيرا من الأسئلة داخل الروح عن العلاقة بين "فلاديمير بوتين" الرئيس الروسى الحالى و"فلاديمير لينين" زعيم ثورة 1917 الزعيم الروحى الكبير للاتحاد الاشتراكى، العلاقة بينهما تتجاوز مجرد الاسم الأول لكل منهما، إنه علاقة البناء والانتماء، والشعور بأن الغرب الأوروبى والأمريكى متربص القوة النووية، وبالتالى هل هناك علاقة بين قصة حياة بوتين التى هى قصة حياة روسيا وبين مصر التى هى قصة حياة العالم العربى، وهل العلاقة الآن بين روسيا وباقى دول الاتحاد السوفيتى تشبه العلاقة بين مصر وباقى دول العالم العربى. كتاب "بوتين.. صراع الثروة والسلطة" يبدأ بحكاية تاريخ "الاتحاد السوفيتى" فى لحظات "الترنح" على يد "جرباتشوف" أما "بوتين" فيظهر فى منتصف الفصل الثانى بعد أن ذكر الكتاب كثيرا من التداخلات والفساد والضعف الذى تخبط فيه الساسة، ظهر صامتا كما يليق بالمنقذ المنتظر، كى يعيدنا لمفهوم الرجل القوى، والرجل القوى يكون على قدر إحساسه بالخطر. والمتابع لقصة حياة بوتين ووصوله لقمة السلطة فى ظروف خطيرة، بعد الانهيار التاريخى للاتحاد السوفيتى، يدرك أن من حسن حظ روسيا مجىء هذا الرجل فى هذا الوقت المهم، وليس فى تاريخ الرجل الشخصى الذى كان جده يعمل طباخا بينما عمل والده فى صناعة قطارات المترو سوى العزيمة والإصرار وحب المغامرة ومحاولات جادة للحفاظ على ما تبقى من هذا العالم الروسى الذى يتداعى من حوله. كثيرة هى الكتابات التى عرضت لحياة "بوتين" أشهرها جاء من خلال كتابين الأول كان لثلاثة صحفيين روس بعنوان "عن الشخصية الأولى.. أحاديث مع فلاديمير بوتين" وهى اعترافات بوتين فى مستهل أولى سنوات ولايته الأولى فى الكرملين. والكتاب الثانى ل"أوليج بلوتسكى "فلاديمير بوتين الطريق إلى السلطة"، كما أن للدكتور سامى عمارة كتابا صادرا عن الهلال فى عام 2000 بعنوان "قريبا من الكرملين"، وكما يذكر سامى عمارة، رغم كثرة الكتب التى تناولت "بوتين" فإن عمله فى المخابرات أكسب حياته الشخصية جانبا من الغموض، وتكمن قيمة "بوتين" كما يراها سامى عمارة، فى أن سياسته أعادت لبلاده ما سبق أن افتقدته من وقار ومكانة فى الساحة العالمية من جانب، كما ضبطت إيقاع السياسة الدولية، وكذلك حدت بدرجة كبيرة من "عبثية" عالم القطب الواحد. والكتاب يبرز معارك "بوتين" مع أبرز رموز طواغيت المال "الأوليجاركيا" وغالبيتهم كانوا من اليهود، خاصة بعد أن صرح أحدهم بأنهم "نجحوا فى استئجار النظام الذى يخدم ويحمى مصالحهم" وهو ما اعتبره "بوتين" إهانة لا تغتفر، والكتاب توقف طويلا عند دور اليهود كطائفة سياسية وليست دينية، فى التلاعب بأقدار ومصائر الروسيين. كما يرصد سامى عمارة أيضا معارك "بوتين" مع أقطاب الإعلام وقياصرته، وكذلك صراعه مع الحركات الانفصالية فى الشيشان وشمال القوقاز، ويهتم كثيرا بسياسة بوتين الخارجية والأزمة الأوكرانية.