سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الغربية/ المرض الخبيث ينهش أجساد الأطفال فى قرية «مشلة».. 3 وفيات فى أقل من شهر.. والطفلة «جنى» أحدث حالات الوفاة.. والطفل أحمد ياسر: الرئيس وعد بحل المشكلة دون جدوى وأختى «شهد» آخر الضحايا
بدأت «جنى محمد الحمراوى» التى لم يتجاوز عمرها 3 سنوات تعانى الإرهاق والإعياء التام قبل نحو أربعة أشهر، حيث توالت عليها نوبات الإغماء المستمر والضعف العام، مع عدم القدرة على الحركة، بالإضافة إلى ظهور حبوب فى وجهها. اعتقد والدها أن ما تعانيه ابنته لا يتجاوز أمراض الأطفال المعتادة فى مثل هذه السن، لكنه سمع الطبيب يقول «جنى مصابة بسرطان الدم»، مطالبا بخضوعها للعلاج الكيمياوى المكثف، هكذا قال والدها محمد الحمراوى مضيفا «بالفعل تحسنت جنى سريعا». وأضاف «فوجئنا قبل نحو شهر بتدهور الحالة الصحية ل(جنى) التى قال طبيبها إن المرض عاد ليهاجمها من جديد، وهو ما استدعى خضوعها من جديد لجلسات الكيماوى، مع الحاجة إلى زراعة نخاع نظرا لحاجتها إلى 4 صفائح دم يوميا». مكثت «جنى» فى المستشفى قبل أن تخرج منها لتعلن عن هزيمة جسدها الصغير أمام غزوات السرطان الشرسة، فتوفيت قبل أيام قليلة، مسجلة ثالث حالات الوفاة فى القرية فى أقل من شهر. «جنى» واحدة من نحو 35 طفلا مصابا بسرطانات مختلفة فى قرية «مشلة» التابعة لمدينة كفر الزيات بمحافظة الغربية، فالمرض الخبيث لا يفرق بين كبير وصغير، فهو يستوطن أجساد نحو 19 حالة ممن تجاوزوا سن 35 عاما، بالقرية التى سجلت الشهرين الماضيين 6 حالات إصابة بمرض السرطان، كما توفى ثلاثة أطفال قبل أيام قليلة نتيجة لغزوات السرطان فى أجسادهم. «مشلة» التابعة لكفر الزيات تعيش بدائرة مفرغة، فلا توجد خدمات للصرف الصحى بها، حيث قام الأهالى بإنشاء «طرنشات» أسفل بيوتهم على أن تقوم جرارات الكسح بتفريغها دوريا فى مصرف «دنشواى» القادم من المنوفية ليصب مخلفاته، قبل مأخذ محطة المياه، ليعود الصرف الصحى إلى الأهالى مرة أخرى عن طريق كوب المياه. عدم ثقة الأهالى فى مياه الشرب جعل الأهالى يلجأون إلى الطلمبات الحبشية التى تستقى مياهها من جوف الأرض، بعد أن تكون قد تشبعت بمياه الصرف الصحى، ما تسبب فى إصابة نحو %25 من أهالى القرية بالفشل الكلوى. الصرف الصحى ليس أزمة وحيدة، لكن المخلفات الزراعية ومخلفات الأهالى والقمامة تلقى أيضا فى ترعة «النعناعية» التى تشق القرية إلى نصفين، كما تعتبر المورد الوحيد لرى نحو 750 فدانا بالقرية التى يبلغ تعداد سكانها نحو 15 ألف نسمة ليعود الصرف مرة أخرى إلى أهالى القرية على طاولة الطعام. «محمد الحمراوى» والد «جنى» العامل باليومية يقول «نرى بأنفسنا تلوث المياه لكننا لا نستطيع الاستغناء عنها»، موضحا أن مياه الصرف الصحى أحد أسباب الإصابة بالسرطان إلى جانب استخدام المبيدات الزراعية. «أحمد ياسر» طفل لم يتجاوز عامه السادس، لم يكن أمام والده سوى اللجوء إلى طبيب معالج لإجراء التحاليل والفحوصات الطبية الشاملة التى أظهرت معدلا قياسيا من تزايد مستمر لكرات الدم البيضاء والتى بلغت نحو 125 ألفا، وهو ما رآه الطبيب المعالج إصابة باللوكيميا أو سرطان الدم. لم يصدق والد الطفل ما يسمعه من الطبيب بشأن تشخيص مرضه طفله، لم يخبر أحدا من أقاربه بما حل بنجله، وخلال شهرين تردد على عيادات نحو ثلاثة أطباء مختلفين بين القاهرة والمنصورة وطنطا ليتأكد من صدق ما زعمه طبيبه المعالج، حتى ضاقت به السبل فلم يجد أمامه مفرا من التوجه نحو القاهرة لزيارة مستشفى 57357 ليتأكد من ذلك، ويبدأ بعدها رحلة العذاب مع المرض الخبيث والتداوى بجلسات مكثفة بجلسات «الكيماوى». «ياسر المسيرى»، والد الطفل «أحمد» المصاب بالسرطان فى الدم والذى يعالج بمستشفى 57357 قال: نعيش فى قرية مشلة وكفر مشلة ومنشأة سليمان دون مياه شرب نظيفة، أو محطة صرف صحى، ودون وحدة صحية تقدم خدمة طبية للأهالى الذين استوطنتهم أمراض السرطان والفشل الكلوى و«فيروس سى»، والبلهارسيا، بسبب تلوث مياه الشرب واختلاطها بمياه الصرف والمجارى، مضيفا «الأطفال أكثر إصابة ووفاة بالمرض من الكبار». وأضاف: «أحمد نجلى مصاب بالسرطان منذ ستة أشهر تقريبا، وهو ليس الوحيد، أصيب نحو 35 شخصا بالقرية بالمرض على مدار ال3 سنوات الماضية، فمن بين أطفالنا من تم استئصال كليته أو جزء من كبده أو عينه، فنحن وأطفالنا صرنا تحت رحمة السرطان الذى يهاجم بقسوة». وتابع «إصابة أحمد كانت خارج توقعاتى، وخاصة أن أحدا من عائلتنا لم يكن يعانى ذلك المرض، بالإضافة إلى صغر سن الطفل الذى لم يتأثر بعد بمياه أو طعام أو هواء ملوث، كما أنه لم يتعرض لأى من المواد الإشعاعية»، مضيفا أنه قام بتحرير محضر ضد مسؤولى وزارة الصحة ومسؤولى محافظة الغربية وشركة مياه الشرب والصرف الصحى حمل الرقم 53 أحوال مركز كفر الزيات يتهم فيه «الصحة» وشركة مياه الشرب بأنهما السبب فى إصابة نجله وعدد كبير من أهالى القرية بمرض السرطان. وقال إن السبب فى تفشى المرض تلوث مياه الشرب، واختلاطها بالمخلفات الصناعية إلى جانب أن مواسير المياه فى القرية محرمة دوليا ورغم ذلك تم وضعها فى عام 2004 ولم تغير حتى الآن، ما عرض الأهالى للإصابة بأمراض الفشل الكلوى والسرطان، مطالبا بتشكيل لجنة من كليتى العلوم والطب ومعهد الأورام لتحليل المياه ومعرفة أسباب انتشار المرض فى القرية. الطفل الصغير الذى لم يتجاوز عامه السادس يسير مغطيا رأسه للتغطية على ما أصاب رأسه جراء جلسات العلاج الكيماوى، حيث تأثر شعره وضعف جسده وتغيرت ملامح وجه، «أحمد ياسر المسيرى» قابل رئيس الجمهورية «عبدالفتاح السيسى» قبل شهرين، حيث وعد الرئيس محافظ الغربية بالعمل على حل مشكلات القرية إلا أن شيئا لم يتغير فى القرية سوى تعليق صورة ل«السيسى» والطفل فى مدخل القرية فلا صرف تم بدء العمل فيه، ولا متابعة من مسؤولى المحافظة لجرارات كسح الصرف. أحمد ياسر قال «لما قابلت السيسى كنت مبسوطا، لكن المسؤولين ضحكوا علينا ومفيش حاجة حصلت فى البلد، مضيفا أختى (شهد) ماتت من كام يوم بسبب استمرار الإهمال». «شهد» التى حكى عنها «أحمد ياسر» ليست أخته، لكنها إحدى فتيات القرية التى تسبب مرض السرطان فى وفاتها بعد رحلة إصابة لم تكمل الخمسة أشهر، شهد التى توفيت قبل أن تكمل عامها الرابع لم يتبق منها سوى صورة شخصية معلقة فى منزل الطينى البسيط المكون من غرفة وحيدة وصالة استقبال زوار جلست فيها والدتها «حنان» تروى «أصيبت الطفلة بهالات سوداء وحمراء فى أنحاء متفرقة من جسدها اعتقدت أنها مصابة بالحساسية، إلا أن المرض الخبيث كان قد بدأ هجومه الشرس على كلية الطفلة اليسرى، هكذا أكد الطبيب المعالج». لم يكن أمام عائلة «شهد» إلا التوجه إلى معهد أورام طنطا الذى رفض استقبالها لعدم وجود أماكن، فتوجهت إلى معهد ناصر بالقاهرة لاستئصال الكلية والبدء فى العلاج الكيماوى، فضلا عن حاجتها لإجراء عملية زرع نخاع بالمعهد القومى للأورام. والدة شهد أضافت «الحالة المادية سيئة للغاية، زوجى عامل اليومية لكنه تمكن من إجراء مسح ذرى له ولى ولطفلى الصغير للتأكد من سلامتنا، لكن شهد لم تكمل رحلة علاجها بسبب وفاتها»، وتشير إلى طفلها الصغير قائلة «لا أعرف مصيره حتى الآن، هل مصاب أم معافى، نعيش فى حيرة من أمرنا». قطار الإصابات لم يتوقف بعد فى قرية «مشلة»، فالسرطان بالنسبة ل«أنس» الطفل الصغير الذى لم يتجاوز العاشرة أجبره على استئصال كليته اليمنى، لكن والده رفض التحدث عن حالة طفله مكتفيا بالقول «شبكة مياه الشرب فى القرية متهالكة وليست هناك شبكة صرف صحى». أحمد بكر مدير مركز شباب قرية «مشلة» قال: «لا نستطيع تحديد سبب السرطان الذى يهاجم أطفال وشباب وشيوخ ونساء القرية، لكننا نستطيع تحديد مصادر التلوث فى المياه والأكل والهواء»، مضيفا «مياه الشرب ملوثة بمخلفات صناعية ما دفع الأهالى إلى الاستغناء عن الحنفية وإنشاء طلمبات حبشية بمنازلهم لكنهم فوجئوا بعد فترة بإصابة العديد منهم بالفشل الكبدى بسبب احتواء المياه الجوفية على عناصر الحديد والرصاص والزنك والمنجنيز بسبب وجود طرنشات مياه الصرف الصحى الموجودة أسفل المنازل». فى الوحدة الصحية بقرية «مشلة» لم يكن هناك سوى فرد واحد ليس دكتورا ولا ممرضا، اكتفى بالنوم ممدا فى مدخل القرية، بينما يجرى على بعد لا يتجاوز 200 متر مصرف «دنشواى» الذى وقف أمامه «جرار الكسح» ليلقى مخلفات الصرف الصحى فيه. السرطان ليس المرض الوحيد الذى يهاجم «مشلة»، لكن هناك نحو 24 حالة يومية من الأهالى يحتاجون لغسيل كلى بسبب إصابتهم بفشل كلوى فيما تعانى 12 حالة أخرى ضمورا فى خلايا المخ.