لم أنم ليلتها طاردتنى الكوابيس بألوانها القاتمة أحمرها وأسودها. جاءنى حتى فى منامى يربت على كتفى فى حنية لامثيل لها، يوقظنى من أحلامى السوداء ليضعنى على أول طريق الاسئلة التى تحتاج لإجابات. عرفته من نبرته الغليظة، فقمت فجأة من سريرى،أنفض الكوابيس بيدى وأفرك عينى بقوة (حتى فى منامى يا فتحى). قررت أن أترك هموم عملى فى مكانها لن أجعلها تزحف ورائى وتطبق على رأسى لتنال منى، ارتديت ملابسى فى استعجال فساعتى تشير إلى التاسعة صباحا..اليوم سأذهب فى رحلة إلى المنوفية لاستجواب (أشرف) المجنى عليه والجانى فى نفس الوقت.. حاول الانتحار بإشعال النار فى نفسه.. الاوراق الرسمية تقول إنه يعمل رجل مطافى!! أليس غريبا أن يحاول أشرف قتل نفسه بنفس الطريقة التى ينقذ الآخرين منها؟ قطعت الرحلة مع الصول فتحى الذى لا يهدأ لسانه من سرد القصص والحكايات وحمدت الله أنه لا يجاورنى فى الكرسى الا أن أذنى لم تسلم من ثرثرته. وصلت للمستشفى المركزى، علم الجميع بوجودى وبدوأ يفسحون لنا المكان عندما لمحوا لبس الصول فتحى الميرى وشنبه اللى بيقف عليه الصقر. الكل تطوع ليعرفنا أين أشرف؟ مشينا فى دهاليز وممرات ضيقة وعلى الجانبين ترتع الزبالة وتنشر رائحتها على المرضى والزوار. سددت أنفى بمنديل معطر حتى أستطيع الاستمرار فى المشى، أخيرا وصلت لأشرف يتمدد جسده النحيل المهترئ ينطق كل جزء من جسده بكل آلام الدنيا. تبكى كلماته قبل أن تنزل دموعه بين الأوراق التى يسجل فيها الصول فتحى شهادته ربما تكون كلماته الأخيرة.. نظرت إلى عينيه علنى أخرج منهما الحقيقة فلم أجد سوى ضياع وحسرة على حاله فى الماضى والحاضر، والمستقبل الذى حرمه تهوره حتى من العيش سليما معافى. كانت أسئلتى تحمل كل الشفقة.. كل الاهتمام.. قالها بوهن: نعم أقدمت على الانتحار لاننى لست برجل!! اتسعت عيناه وأذنى وانتظرت ما تلقيه شفتاه من حقيقة. أشرف: سبعة شهور وزوجتى تمد يدها لأهلها لكى نجد ما يسد جوع أولادى.. تراكمت الديون.. زوجتى تحملت الكثير لكنها طعنتنى فى رجولتى، سمعتها قبل أن تقولها (إنت مش راجل). لمت هدومها وأخدت العيال ومشيت.. وجدت نفسى وحيدا فاقدا للرجولة.. فاقدا لأبوتى ولزوجتى. حاولت أن أستعيدها.. رفضت وصممت على الطلاق. آخر ما أذكره كلمات ابنى القاسية على قلبى: (إنت يابابا ليه مش معاك فلوس) انا عايزك تجى ياله جيب فلوس.. ماما قالت لى هنرجع البيت لما بابا يجيب فلوس. قال بحسرة: منين أجيب فلوس؟ ما تقولّى يابيه أنا مرتبى 300 ج وعلىّ ديون خمسة آلاف جنيه.. زاغت عيناه وامتلأت دموعا لا يستطيع أحد إيقافها. هونت عليه بكلمات كذرة ماء عذب فى بحر مالح لا تفيد. استعددت للرحيل فإذا بسيدة فى اوائل الثلاثينيات تمسك فى يديها وتجر فى ذيلها ثلاثة من الابناء تقبل على أشرف فيعتدل فى جلسته بمشقة ويمسح السيول التى أغرقت فراشه. استنتجت من تكون هذه السيدة وأولادها.. تركت أشرف بين أسرته، ورددت فى سرى: رب ضارة نافعة.