تحت عنوان "عاجل" قطعت الفضائيات العربية والأجنبية إرسالها لإذاعة البيان القادم من دولة الجوع والفوضى واللامبالاة, بعد أن قامت مجموعات وطنية من الشباب والفتيات بمظاهرات سرعان ماتعانقت معها جموع الجماهير من كل حدب وصوب. بدا المشهد المعروض على جميع الفضائيات موحداً، فالثائرون من ذوى الملابس المهلهلة تبدو على ملامحهم علامات الفقر المدقع .. سيول من البشر .. قادمون من المساحة المهمشة فى وطن أكل الاستقرار وتسلى بعوذ فقرائه وحاجاتهم الأساسية. اجتهد مقدمو النشرات فى استنباط الألفاظ المعبرة عن أحدث ثورات البشرية ضد الموت جوعاً فى وطن كان يطعم الكرة الأرضية بخيراته، وتلاحقت صور الأمواج البشرية المتلاطمة وخلت الصورة تماما من الوجود الأبدى الذى شكل ملامح المشهد السياسى لسنوات.. خلت المظاهرات من حرس السلطان ووزراء السلطان وكل من كان يزين له اللعب بالنار. تحدث البيان الصادر عن شلة الثورة الجديدة،عن نقاط ستة، أولها إقامة حياة ديمقراطية سليمة غير التى زورها الحزب الواحد وعاث فيها فساداً وألغى وأقصى وهمش كل القوى الوطنية بشكل ماعاد مقبولاً، وثانى أهداف الثورة القضاء على الاحتكار وأعوانه، وفسر الثوار هذا الهدف على أنه إعادة صياغة الحياة الاقتصادية وفق آليات السوق، وأكدوا أنهم ضد الانقلاب على مبادئ الليبرالية على اعتبار أن بلدهم انتقلت من الاشتراكية إلى الرأسمالية المتوحشة لا إلى الليبرالية المتعارف على مبادئها فى كل أرجاء الدنيا. ووسط حشود متلاحقة من البشر، كان المذيع يتلو الهدف الثالث لآخر ثورة تخرج من الحوارى والأزقة والقرى المستبعدة من خريطة الوطن .. إقامة عدالة اجتماعية لتوسيع مساحة الطبقة المتوسطة التى تآكلت وأضحت من ذكريات الماضى، فانقسم المجتمع إلى طبقتين، الأولى تملك كل شىء والثانية تحتكر الجوع والفقر والمرض. رابع أهداف الثورة التى وصفها بعض المحللين بالمباركة، هو القضاء على الإقطاع بعد أن امتلك أقل من 2% من سكان البلاد 98% من مقدراتها، حتى بات الهاجس الذى يطارد البسطاء الذين يمثلون الأغلبية هو الحصول على رغيف خبز يسدون به جوعتهم. أما الفساد فقد ورد فى بيان الثورة بشكل تفصيلى بعد أن عدد جرائم نهب المال العام وبيع البلاد بتراب الفلوس لقوى أجنبية، ووعد الثوار فى بيانهم بملاحقة الفاسدين وإعلان أسماء المتورطين من كبار القوم فى قضايا نهب الوطن، وخاطب البيان الدول الحرة التى هرّب اللصوص أموال الشعب إليها بإعادتها إلى أصحابها، مهدداً بقطع العلاقات الدبلوماسية معها إذا رفضت الاستجابة لإحقاق الحق. وخرجت الصحف فى اليوم التالى تحكى قصصاً مثيرة لقادة الثورة بداية من عم عبد العال المحال إلى المعاش المبكر، ومروراً بالشاب سلطان 45 عاماً وعاطل وحتى الحاجة رابحة التى راح ابنها شهيداً فى طابور الخبز، وانتهاء بالأخ باسم الذى صادرت الدولة التوك توك الذى اشتراه ليقتات من ورائه.