شدت رحالها لتبدأ رحلتها إلى المكان التى لا تعرف له عنوانا ولا طريقا ومع ذلك كانت تسير وبداخلها أمل فى أن تحط رحالها يوما ما على أبواب المملكة التى تنشدها..... تسمع نداءات قطرات المطر وأوراق الشجر وبلابل لم تمل الغناء لمن تنتظرهم المملكة بلهفة وصبر لا مثيل لهما.... تشعر وكأنها ترى شمس المملكة ذات الثغر الباسم التى لا يمكن لمخلوق أن يرى جمال ابتسامتها إلا فى هذه المملكة فقط..... تشعر وكأنها ترى ليل المملكة الأنيق بردائه المرصع بالنجوم مقبلا يحتضنها فى حنان محتفلا بقدومها. تسير فى طريقها تستأنس بإصرارها وشوقها إلى الجمال والحرية ونشوة القلب والروح. عجيب أمر هذا الطريق.... فيه تسير تارة يخيفها ظلام مريب تحلق فى جوفه خفافيش بلا وجوه.... فتسرع خطاها قليلا فترى بساتين خضراء و نهار بلا شموس... وورود ذابلة تعانق اغصان خضراء.... بلابل بلا غناء... و ليل هادئ بلا نجوم ولا حياة. تتعثر فى خطاها المرتبكة... تؤلم قدميها أحجار الطريق. فتسمع النداءات الجميلة تأتيها من بعيد... فتكف عن تدليك قدمها المتعبة... وترقص بحيوية وسعادة على أنغام تحى قلبها.... وفستانها الوردى الذى أبى تراب الطريق إلا أن يترك آثاره عليه يدور معها ويراقص نسيم يأتيه من المملكة المنشودة. وعلى هذا الحال كان شأنها فى طريقها الطويل..... لكن طول الطريق وصعوبته أورثاها توجسا من ظلال الأشياء... حتى ظلها يوما خالته شبحا أو ظلا بلا حقيقة.... فقد نسيت أنها هى أيضا يمكن أن يكون لها ظل. وفى يوم استيقظت بعد نوم طويل شاركتها فيه احلام جميلة و كوابيس مزعجة ....استيقظت على صوت خطى قادمة ورأت ظلا يقترب شيئا فشيئا. هى لا تحب الظلال... تتوجس منها.... ولكن خطى هذا الظل لها وقع مريح.... ولكنه فى الأخير يبقى ظلا لابد أن تتوجس منه مثلما تتوجس حتى من ظلها. يطربها صوت الخطوات... يحمل إليها شيئا من ألحان بلابل المملكة المنشودة.... ولكنها صارت تسلم للريح ساقيها مبتعدة عن ظل يلاحقها فى هدوء ودقات قلبها تعزف سيمفونية تزداد جمالا واكتمالا بوقع خطوات هذا الظل. توقف الظل عن الحركة شيئا فشيئا.. وازدادت ألحان السيمفونية جمالا و لم تدر إلا وفستانها الوردى المترب يراقص الأنغام الجميلة و يجذبها لترقص هى ايضا بنشوة لم تعرفها من قبل. وأوشك القمر بين ضلوعها أن يصير بدرا فيغمرها الامل ان يصير جزر هذا الظل مدا.. ولكنه وياللعجب حينما اكتمل بدرها لم يزد الظل إلا جزرا. توقفت عن الرقص ونظرت إلى فستانها الوردى المترب... وإلى جروح قدميها التى أحدثتها أحجار الطريق الطويل وإلى البدر المكتمل بين ضلوعها ...وإلى ظلها التى لم تعد تخشاه لأنها الآن فقط عرفت أنها هى الأخرى تملك ظلا وأن الظلال لا تخيف. لم تكن تعرف أن فستانها الوردى الذى لا يضاهى جماله جمال قد غير لونه تراب الطريق قليلا فى عينى الناظر إليه..... ولكن هل يصمد تراب طريق سفر طويل امام نهر جار يزيله ويعيد إلى اللون الوردى روعته وبهاءه. لم تلحظ من قبل أن خطواتها لم تعد طليقة رشيقة.... خطواتها متعثرة.... لعله الخوف من أحجار الطريق التى لم تعد موجودة هنا..... أو ليس الآن وقد أدركت أن طريقها بلا أحجار يمكنها أن تنطلق بخطوات رشيقة سريعة. هدأ كل شىء حولها إلا إصرار البدر أن ينتظر المد.