هل مصر قادرة على خوض منافسة الترشح لعضوية المقعد غير الدائم لمجلس الأمن 2016 و2017؟.. هذا هو السؤال الذى شغل كثيرين فى مصر وربما فى المنطقة العربية بعدما أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى هذا الترشح خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضى بنيويورك، وربما شعر بعض المتابعين بالقلق على وضعية مصر فى الانتخابات التى ستجرى العام المقبل، خاصة بعد الخسارة المؤلمة التى تلقتها تركيا أمام إسبانيا فى الانتخابات الأخيرة للحصول على عضوية المجلس غير الدائمة لعامى 2015 و2016، مما دفعهم وأنا من بينهم للكتابة تنبيها لوزارة الخارجية بأهمية الاستعداد الجيد للمعركة الانتخابية حتى لا نحصل على صفر شبيه بصفر المونديال، ولم يكن القصد من هذا التقليل من الجهد الذى تقوم به الدبلوماسية المصرية، وإنما كان تشجيعاً لهم والتأكيد على أن الأمر لا يقبل الهزل لأنه يتعلق بصورة مصر. كتبت وعلق كثيرون لكن لم نمتلك المعلومات الكاملة عن الاستعدادات المصرية لهذه المعركة، وربما يكون ذلك مرجعه تقصير فى السعى لاستيضاح الأمر كاملاً من وزارة الخارجية المسؤولة عن الملف، والتى بالفعل لديها خطة تحرك واضحة ومحددة بالتنسيق مع رئاسة الجمهورية، كانت السبب فى أن يعلن الرئيس أمر الترشح أمام الجميع بنيويورك، ووفقا لما سمعته من دبلوماسيين مصريين فمصر قررت الترشح ولديها ثقة كبيرة بالنفس مرجعها الأساسى ما وضعته من خطة تمهيدية متدرجة المراحل، تبدأ بالإقليم الذى ستترشح مصر من خلاله وهو إقليم شمال أفريقيا الذى من حقه هذه الدورة أن يرشح أحد أعضائه، فأفريقيا مقسمة جغرافيا لخمسة أقاليم «شمال وجنوب وشرق وغرب ووسط»، ولكل إقليم أن يرشح أحد أعضائه بالتناوب مع الأقاليم الأخرى، بحيث تكون للقارة السمراء دولتان فى العضوية غير الدائمة، والدور هذه المرة على شمال أفريقيا، وتستمر هذه الخطة لتشمل كل دول العالم حتى نحصل على تأييد أكبر عدد منهم، فالمأمول ألا يقل هذا التأييد عن 160 دولة، رغم أن هذا العدد يفوق ما نحتاجه رسميا لنفوز بالمقعد، لكن القاهرة تريد أن يكون التصويت شهادة تقدير أخرى لمصر الجديدة. تدخل مصر معركة الترشح بخطوات ثابتة، كما يؤكد الدبلوماسيون المصريون، فأحدهم كشف عن امتلاك مصر لخطة تحرك تشمل فعاليات وزيارات خارجية مكثفة لكن لن يتم الإعلان عنها إلا بعد إقرار ترشح مصر رسميا من خلال الأطر الإقليمية التى ستمنح القاهرة الثقل الأكبر، وربما وهو المرجح حتى الآن أن تدخل مصر الانتخابات العام المقبل بالتزكية أى دون أن يكون أمامها منافس من إقليم شمال أفريقيا، لذلك فإنها تعمل وفقاً لسياسة التوافق مع دول الإقليم والمنطقة لتؤمن لنفسها الوضعية الأفضل، حتى لا يتكرر ما حدث مع الكونغو التى خرجت عن التنسيق وترشحت الدورة الحالية أمام أنجولا فلم تحصل سوى على صوت واحد فقط، وحصلت أنجولا على عضوية المجلس للعامين المقبلين. الحديث داخل أروقة الدبلوماسية المصرية أن مصر واثقة من فوزها وأن ما يشغلها حالياً هو عدد الأصوات التى نأمل فى الحصول عليها، حتى تكون العضوية بتصويت قياسى، وربما تكون هذه الثقة مدعاة للتساؤل حول أسبابها، خاصة إذا ما نظرنا إلى استهداف بعض الدول لأدوارنا الإقليمية وأتحدث هنا عن دول مثل تركيا التى لم يؤلمها أكثر من حصول مصر برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسى على عضوية مجلس الأمن، فى حين أنها فشلت أمام إسبانيا، لذلك فأنقرة ربما بل من المؤكد أنها ستسخر دبلوماسيتها فى اتجاه إفشال المساعى المصرية سواء على مستوى الإقليم أو على المستوى الدولى إذا ما استطاعت مصر تأمين الترشح عن شمال أفريقيا، وستساعد تركيا فى تحركاتها هذه بعض الدول التى تكن لمصر الجديدة العداء، لذلك فالسؤال الآن: ما مصدر هذه الثقة بالفوز؟ مصدر الثقة كما قال أحد الدبلوماسيين - وللعلم لا يريد غالبيتهم الإشارة لأسمائهم لأن الجهد داخل الخارجية جماعى تحت قيادة الوزير سامح شكرى دون الاقتصار على شخص واحد – هو أن مصر دخلت العديد من الاختبارات الإقليمية والدولية المهمة خلال الفترة التى أعقبت ثورة 30 يونيو 2013 ونجحت فى جميعها رغم حالة الترصد من جانب الدول التى أعلنتها صراحة أنها ضد القاهرة فى أى مسعى، مشيراً إلى أن مصر هى الدولة الوحيدة التى نجحت فى التوصل لوقف إطلاق النار بقطاع غزة، رغم أن دولاً أخرى حاولت الدخول على الخط لعرقلة المساعى المصرية، لكنها فشلت ونجحت مصر التى كانت محطة مهمة فى كل التحركات الدولية الهادفة لتنفيذ المبادرة المصرية وقتها، كما أن القاهرة استضافت مؤخراً مؤتمرا دوليا لإعادة إعمار قطاع غزة شهد مشاركة دولية رفيعة وبحضور بان كى مون الأمين العام للأمم المتحدة، كما أن مصر تتحرك بكل قوة لنزع فتيل الأزمات فى المنطقة، ففى ليبيا لاقت المبادرة المصرية قبولاً دولياً وإقليمياً، وهى المبادرة الوحيدة الآن التى يجرى العمل على تنفيذها من خلال دول الجوار الليبى، فضلا على الدور المصرى فى حل الأزمة السورية، ودورها المحورى ضمن الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب. التاريخ سيكون له دور حاكم فى الأمر ويمنح مصر الأسبقية دائما، فهى من أوائل الدول الأفريقية المؤسسة للأمم المتحدة وكانت من الدول الموقعة على ميثاق سان فرانسيسكو عام 1977 ثم انضمت رسميا للأمم المتحدة عام 1945، وقبلها كانت عضوا بعصبة الأمم، ومنذ ذلك الوقت ولمصر دور فاعل فى المنظمة الدولية لخدمة القضايا الإقليمية والأفريقية، بما منحها عناصر قوة إضافية، ومنها على سبيل المثال أنها الداعية لإنشاء الآلية الأفريقية لفض المنازعات عام 1993 والتى أقرتها بعد ذلك الأممالمتحدة، كما أن مصر تحتل حاليا المرتبة العاشرة عالميا فى قائمة الدول المساهمة بعمليات حفظ السلام، وهذه جزئية مهمة جداً فى مسألة الترشح لعضوية مجلس الأمن، فمصر لها حاليا قوات فى جنوب السودان ودارفور وشرق الكونغو وأفريقيا الوسطى ومناطق نزاعات أخرى، كما يجرى الإعداد حاليا لمشاركة قوات مصرية فى مالى ضمن إطار قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وهو ما يعطيها أفضلية عن غيرها، فمجرد وجود القوات المصرية بهذا العدد ضمن بعثات الأممالمتحدة لحفظ السلام يؤكد ثقة الدول محل النزاعات فى الدور المصرى وانحيازها نحو السلام وإنها لا تسعى أبداً للتوتر وإنما ترفع شعار «السلام». من واقع ما سمعته فإن مصر بالفعل مستعدة لهذا الترشح الذى جاء الإعلان عنه بعد أن عادت مصر بقوة لوضعها الإقليمى والدولى، فرهان البعض على تحول مصر لدولة فاشلة ثبت أنه رهان خاطئ لم يأخذ فى الاعتبار طبيعة الشعب المصرى الذى لا تظهر قوته وعزيمته إلا فى أوقات المحن.. فمصر استعادت دورها بما يؤهلها لتكون موجودة بقوة على الخريطة الدولية، ولم لا ومبادراتها أضحت محل نقاش دولى وقبول لم تحظ به مبادرات أطلقتها دول أخرى مقرونة بالأموال والرشاوى. تفاؤل وثقة بالنفس.. هذا هو حال مصر حالياً خاصة بعد إجراء العديد من الاتصالات واللقاءات التى تناولت الموضوع مع دول شقيقة وصديقة، كلها أكدت أن مصر مؤهلة بقوة لعضوية مجلس الأمن، وأن وجودها فى المجلس سيضيف روحاً جديدة عليه بما تملكه القاهرة من استقلالية فى القرار ورؤية واضحة للأزمات الإقليمية التى تحظى باهتمام دولى.