هاهى الإشراقات والسموات الروحانية، والنور المطلق يعلوان ويسموان فى سماء مصرنا العزيزة، وهاهى إحدى النفحات والهبات والعطايا السامقة تهفو علينا وتفيض وتفيض كى تغمر مشاعرنا جميعا بعطف بالغ وحنو لا مثيل له من صاحبة الاصطفاء والطهر والعفاف السيدة مريم العذراء أم السيد المسيح. قال تعالى فى كتابه الكريم (وَاذْكُرْ فِى الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16)فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّى أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِى غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَى هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21) من سورة مريم "، وهل هناك أشرف من هذا الذكر، وهل هناك أذكى من هذا التوجه مشرقيا، انتظارا للحدث الأسعد، حادث قدوم ومولد المسيح عليه السلام. يحدثنا رب العزة عن تلقى قوم مريم لنبأ ولادته بدهشة وعدم تصديق ذاكرا على لسان المسيح وهو مازال فى المهد طفلا صغيرا من كان مثله لا يستطيع كلاما إلا بصعوبة بدءا من نهاية العام الأول من مولده (قَالَ إِنِّى عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِى الْكِتَابَ وَجَعَلَنِى نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِى بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِى وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَى يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)من سورة مريم "أنه يقر بعبوديته لله- سبحانه- وأنه بعث ومعه الكتاب ،والنبوة ، والبركة أيضا ، ثم تتوالى الوصايا بالصلاة ،والزكاة ، أنها الفطرة السوية السمحة ، ثم يقر بأنه سيكون بارا ووفيا بوالدته السيدة مريم البتول الطاهرة .ثم تتوالى النفحات بذكر السلام على شكل متوال ومتكرر بشكل لافت، مؤكدا أن الأصل فى الحياة أن يحيا الإنسان فى سلام مع ذاته أولا ثم مع بنى وطنه، ومن ثم مع العالم كله... ليتنا نهنأ بمثل هذا السلام السرمدى منقطع النظير. سيدتى ومولاتى العذراء، قد تعلمين أننا أولى بالسيد المسيح ممن لم يصدق به، حيث قال تعالى (ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِى فِيهِ يَمْتَرُونَ (34)) لك منا السلام، ولروحك السامية، كل الرحمات والثناء العظيم، فلقد أسعدتنا.