خلف أسوار سجن الحسن الثانى خاض أشرس معاركه، معارك من أجل الفقراء، والحرية والمرأة والتعددية السياسية، تراه على كل الجبهات محاربا لا بسيف خشبى كما يفعل المدعون، بل بسيف بتار حده الشعر والفن وغمده "المغرب" وقضايا الحرية. "عبد اللطيف اللعبي" الشاعر والمناضل الماركسى الكبير انتزع أخيرًا جائزة "جونكور" الفرنسية للشعر هذا العام عن مجمل أعماله، ليحل ثانيًا فى قائمة المغاربة الفائزين بالجونكور، بعد الروائى "الطاهر بن جلون" الذى فاز بها عام 1987 فى خانة الرواية لا الشعر. والمغربى الذى يكتب شعره بالفرنسية رافضًا فكرة الهوية يقول: "ليست هناك هوية خالصة، فالهوية الصافية ليست أكثر من فكرة فاشيّة تدفع إلى مجموعة من الانزلاقات كالعنف والتعصب وإلغاء الآخر"، وأصدر ديوانه الأول "أزهرت شجرة الحديد" عام 1974 بينما كان يقضى فترة سجنه التى امتدت ما بين عامى 1972 و1980. ولأن تجربة السجن غيرت لديه الكثير من المفاهيم مثلما يقول، فإن ديوانيه "عهد البربرية" و"قصة مصلوبى الأمل السبعة" اللذين صدرا فى عام خروجه (1980) كانا نتاجا طبيعيا لتلك التجربة الأليمة والمبدعة فى آن، مثلما يصفها العديد من المبدعين الذين كان لهم من السجن حظا. وقبل أن يسلم نفسه لظلام السجن عام 1972، وقبل أن يلفظ الشعر المغربى أنفاسه الأخيرة أصدر "اللعبي" مجلته "أنفاس" لتبث روحا جديدة فى المشهد الشعرى المغربى. ولكن محاولاته لإنقاذ الشعر المغربى والحفاظ عليه لم تتوقف عن تجربة "أنفاس" فعاد عام 2005 ليصدر فى باريس أول "أنطولوجيا للشعر المغربى"، انحاز فيها لا لذائقته الشعرية إنما للمرأة التى دافع عن حقوقها من قبل، فقرر أن يضمن لها حضورا يوازى حضور الرجل فى الأنطولوجيا، ويوازى أيضا قيمتها الإبداعية. و"اللعبي" الذى ولد عام 1942 بفاس المغربية وعاش حياة مفعمة بالكتابة مثلما قال بعد أن فاز بالجونكور، أصدر 30 كتابا ما بين الشعر والرواية والمسرحية والنقد والتراجم، يتمنى أن يسير على النهج نفسه فهى مغامرة خاضها وسيكملها للنهاية، مغامرة قد تتسع للعديد من الجوائز لتنضم إلى "آلان بوسكيه" التى حازها عام 2006، و"الجونكور" نتاج هذا العام.