منزل صغير داخل قرية منعزلة لم تطأ حدودها طوال سنوات عمرها التى حفظتها بالتقريب، شهادة ميلاد ربما فقدتها وسط زحام الكراكيب، هى كل ما تمتلك من أوراق رسمية، حياتها البسيطة لم يزرها "ختم النسر"، وحدود تحركاتها الضيقة لم تعرضها لموقف تبرز فيه "عبير" تحقيق شخصية لا تمتلكه، ولم تفكر فى أهميته يوماً، الأوراق الرسمية وأختام الحكومة وبطاقة الرقم القومى، كغيرها من ملايين السيدات من صاحبات الظروف المشابهة لا تحتوى قائمة اهتماماتهن على امتلاك بطاقة رقم قومى أو ورقة مختومة من سجل الأحوال المدنية، الذى لم تعرف أقدامهن إليه طريقاً، لم تشعر يوماً بحقها فى التصويت أو المشاركة المجتمعية أو حتى شراء ما تحتاجه بالقسط، ولم يمنحها مجتمعها رفاهية الحصول على "بطاقة" مرور لحقوقها واكتفى باعتبارها "مواطنة مصرية خارج السجلات". "عبير السيد حجازى" واحدة ضمن 5 ملايين ونصف المليون سيدة مصرية لا يمتلكن بطاقة رقم قومى، القصة لا تخصها وحدهها، فهى حكاية ملايين السيدات فى مصر ممن خرجن عن السجلات الرسمية، ولم تحمل لهن الدولة سوى شهادات ميلاد ضاع معظمها، وبقى عليهن البحث لأنفسهن عن عنوان، لم يشغلها أمر سجلات الزواج أو تحقيقات الشخصية أو شهادات المدارس كما تحكى عن تفاصيل ربما عاشتها سهواً دون الحاجة لأوراق قائلة: "ماكنتش أعرف أن البطاقة دى مهمة، عمرى ما فكرت أن فى حاجة اسمها ورق عشان أخد حقى بيه، غير لما جيت أورث وما عرفتش أعمل حاجة عشان لازم البطاقة". حكاية غيرها من السيدات اللاتى اقتسمن الظروف ذاتها أو ربما أصعب تتحدث عنها "هبة رزق" مديرة مشروع "بطاقتك حقوقك" بوزارة التنمية الإدارية والمحلية، وهو المشروع الذى انتهى من إصدار بطاقات الرقم القومى ل100 ألف سيدة مصرية فى 14 محافظة مختلفة، ومازال مستمراً فى حصر وإصدار البطاقات للسيدات الأكثر فقراً، وأقل فهماً لأهمية البطاقة، وعن المشروع وفكرة الحملة تتحدث "رزق" قائلة: نحو 5 ملايين ونصف سيدة مصرية لا يمتلكن بطاقة رقم قومى وفقاً لإحصائية مكاتب الأحوال المدنية على مستوى محافظات مصر، وهو ما يستهدفه مشروع بطاقتك حقوقك الذى انطلق بمشاركة عدد من الجهات المهتمة بالمرأة المصرية على رأسها هيئة الأممالمتحدة للمرأة، وبرنامج الأممالمتحدة الإنمائى، ووزارة التنمية الإدارية والمحلية، والصندوق الاجتماعى للتنمية، والمجلس القومى للمرأة، ومصلحة الأحوال المدنية. تكمل "رزق": هدف المشروع هو استهداف المناطق الأكثر فقراً فى 14 محافظة من المناطق المنعزلة، وهدفنا هو استخراج البطاقات للسيدات الأكثر احتياجاً بدون تكاليف أو مشاوير، إلى جانب التعامل مع ثقافة بعض المناطق التى لا تهتم بالأوراق الرسمية بالنسبة للمرأة. 5 ملايين ونصف سيدة مصرية لا يمتلكن بطاقات تحقيق شخصية، إلى جانب ما يقرب من 20% من سيدات مصر ممن سقطن قيداً، ولا تمتلك مصلحة الأحوال المدنية شهادات ميلادهن، هى الإحصائيات الرسمية التى تحدثت عنها "رزق" قائلة: نسب السيدات اللاتى لا يمتلكن بطاقات رقم قومى هى ما تعمل عليها من خلال مجموعة من الخطوات أولها حصر وتسجيل السيدات، تتبعها عملية ترشيح، ثم مرحلة الإصدار، وجداول التصوير، ونقل السيدات من منازلهن إلى المرحلة النهائية لتصوير البطاقة، ثم تسليم البطاقات والتوعية بأهميتها بالنسبة لحصول المرأة على حقوقها، قمنا بالفعل باستخراج 100 ألف بطاقة ل100 ألف سيدة فى محافظات مختلفة، إلى جانب 100 ألف آخرين فى مرحلة جداول التصوير، وهدفنا استخراج 2 مليون بطاقة فى ثلاثة سنوات، والتوعية بأهمية امتلاك المرأة المصرية بطاقة رقم قومى للحصول على حقوقها كمواطنة مصرية مثبتة فى السجلات الرسمية.