كثر الحديث مؤخرا عمن يستطيع أن يخلف مبارك فى حكم مصر، ومابين الدكتور البرادعى والدكتور أحمد زويل وعمرو موسى، يتردد الطرح فيمن يصلح أو يستطيع أن يقول لا فى وجه من قال نعم، وحين الحديث عمن عمل بالحقل السياسى ومارسه وخبرته السياسة وعركته، ترتفع أسهم موسى من بين الآخرين. ولكن الغريب المريب، أن الرجل الذى يعشق الأضواء حد الإدمان، لم يجرؤ على الإعلان عن رغبته فى حكم مصر، أو المنافسة عليها إن أتيح له ذلك، فقد سئل أكثر من مرة عن نيته فى الترشح لرئاسة مصر، وهذا ليس كالترشح على رئاسة نادى رياضى، ورغم ما للرجل من حضور إعلامى و"طلة بهية"، فإنه سرعان ما يتراجع أمام هذا السؤال عملا بمبدأ "ياحيطة دارينى". لذا، فإننا نعجب كثيرا وطويلا، من أناس يفترض فيهم أنهم سياسيون، ومارسوا العمل الدبلوماسى والسياسى، ورأوا فى مجتمعات غربية، كيف أن من يحلم بالوصول لكرسى الحكم، عليه أن يكون أهلا لذاك المنصب، من الجرأة والإقدام والإعلان عن معارضة النظام القائم، وطرح الرؤى المخالفة، والنزول إلى الشارع، والرهان على الجماهير، ولكن أى شىء من هذا لم يحدث فى مصر، أو أى دولة عربية تشبه الدول على خارطة العالم. ورغم ما فى مصر من مخاض، وترهل فى النظام السياسى، والبحث عن مخلص يقود هذا الوطن الذى كان يزهو على الدنيا من قبل، فأصبح الآن مرميا كالقدح المكسور على ناصية الأمم، وصار يكيد لأبنائه، ويحثهم على الفرار منه بجلدهم، ويحنو على من كانوا أعدائه، ورغم أن الجميع يتطلع للخلاص، ويتلفت الوطن يمنة ويسرة، بحثا عن مخلص، إلا أن الذين تتعلق بهم الرقاب، لم يجرؤ أحد منهم أن يقول ها أنا ذ؟! وكأن هؤلاء الذين ظن فيهم الناس قدرة على القيادة، يريدون من الجماهير أن تنزل إلى الشارع، وتحملهم على الأكتاف، وصولا إلى الكرسى الذى لم يدفع أحد منهم مهره، أو لم يعلن حتى عن نيته فى الاستعداد لهذا الأمر، مجرد نية وليس نزولا حقيقيا إلى الشارع. وإن عدنا للمقارنة بين الأشخاص الثلاثة، فإن المقدمة قد تصبح للبرادعى ذى المنصب الدولى والذى جلس لرؤساء العالم، وفاوض دولا وحكومات، ومن بعده أحمد زويل، الذى يشبه فى أحلامه مهاتير محمد، رجل العلم الذى بنى ماليزيا، حتى صارت دولة الرقى والعلم فى صحراء العالم الإسلامى، الضارب فى الجهل والتخلف والاستبداد. وتخلى الرجل عن القيادة طائعا بعدما نجا بدولته بعبقريته، و بممارسته للسياسة، التى تحتاج رجلا يقول لا وقتما يقول الجميع لصندوق النقد الدولى "اللى تشوفه يا معلم". أما موسى، والذى جلس على مقعد الأمين العام للجامعة العربية، فلم نر من معجزاته شيئا، فلم يضرب بعصاه بحر الخلافات العربية العربية، ولم يشق للحل طريقا فى أى مشكلة، ولم نر منه سوى كلام يعقبه كلام، يخدر مشاعرنا أحيانا، ويضع الطين على رؤوس العرب غالبا، بما يجلبه الساسة العرب من مواقف تسر العدو أكثر مما تسر الحبيب. ولم نر للسيد عمرو موسى أى كرامة، لا فى الحديث عن حريات المواطنين، التى تنتهك على مرأى العالم ومسمع منه، ولا فى الخراب السياسى الذى تتردى فيه الدول العربية جراء سياسات حكامها، فكيف لرجل لم تزد بضاعته عن بعض الكلام الجميل، أن يحلم بحكم مصر؟! إنه لا يجرؤ على الإعلان عن رغبته تلك، إن كانت له رغبة، رغم أن الدستور الذى تتحدث عنه الحكومة، قد ضمن له هذا الحق، وهو أحد أبناء النظام، ولكنه فى الحقيقة لا يجرؤ عن الخروج من حظيرة النظام إلا بإذن مسبق من القائمين على الأمر. فهل يستحق مثل هذا الرجل كل هذا الحديث عنه.. وخاصة أنه لم يعد فى جعبته مايسحرنا به سوى الكلام؟